ألمانيا والخوف من عودة الجهاديين الملتحقين بـ "داعش"
٢٥ سبتمبر ٢٠١٤عرض رئيس هيئة حماية الدستور أو المخابرات الداخلية في ألمانيا، هانز غيورغ ماسن، خلال جلسة للبرلمان الألماني (بوندستاغ) مقاطع فيديو يظهر فيها مقاتلون من تنظيم "الدولة الإسلامية" وهم يقفون أمام جثث يهينونها وقد مثلوا بها. في مقطع فيديو آخر تجد مقاتلا يفاخر بالرغبة في القتال وخوض معارك جديدة لأنه سيجد من بمقدوره ذبحه. في مقاطع الفيديو التي عرضها ماسن، شباب من مقاتلي "الدولة الإسلامية" يتكلمون باللغة الألمانية، إذ التحق 400 "جهادي" ألماني بمقاتلي "داعش" في سوريا والعراق وعددهم في ازدياد، حسب رئيس هيئة حماية الدستور في ألمانيا.
من جهتها دعت الكتلة النيابية للتحالف الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة ميركل إلى جلسة حوارية خاصة لمناقشة خطر الجهاديين على الأمن في ألمانيا، بمشاركة خبراء في الشأن الأمني يرون بدورهم أن الجهاديين يشكلون خطرا حقيقيا على أمن ألمانيا. وحسب رئيس هيئة حماية الدستور، عاد ما لا يقل عن 125 جهاديا من سوريا إلى ألمانيا وأن 25 منهم قد "ثبتت مشاركتهم في الأعمال القتالية". بيد أنه يسود اعتقاد أن العدد أكبر من ذلك بكثير.
فليس كل الجهاديين يفاخرون في مواقع التواصل الاجتماعي ويكشفون عن الأعمال التي قاموا بها أو المعارك التي شاركوا فيها في سوريا والعراق أثناء تواجدهم هناك. كما أن الكثيرين منهم يختفون عن عيون الأجهزة الأمنية ويظهرون فجأة في ألمانيا من جديد.
تنفيذ هجمات في ألمانيا أيضا؟
ما يثير قلق الأجهزة الأمنية كثيرا، هو أن يقوم الجهاديون العائدون من سوريا والعراق، بتنفيذ هجمات في ألمانيا أيضا. وعرض رئيس هيئة حماية الدستور، أثناء الجلسة البرلمانية خارطة سوداء لألمانيا تنقط دما، وهي رمز لنداء الجهاد ضد ألمانيا "وبالتالي فنحن في مرمى نيران الدولة الإسلامية" يقول ماسن. ولكن هل يستهدف زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، أوروبا أيضا، هذا ما لا يستطيع تأكيده خبراء الشؤون الأمنية ومنهم الخبير الألماني المتخصص في قضايا الإرهاب غيدو شتاينبرغ.
شتاينبرغ لا يعتقد أن البغدادي (زعيم تنظيم الدولة الإسلامية) يمكن أن يسحب في الظروف الراهنة بعض مقاتليه من سوريا أو العراق. لكنه، أي البغدادي "لن يفوت الفرصة للاستفادة ممن يقدمون له المقاتلين والهيكلية التنظيمية في أوروبا"، يقول شتاينبرغ. ويتفق الخبير الألماني مع ماسن على أن هناك بين الـ 6200 سلفي في ألمانيا من يدعمون مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" ويؤيدون فكره. فحين أعلن البغدادي عن قيام "الدولة الإسلامية" فرح بعض السلفيين في ألمانيا واحتفوا بالحدث.
خطورة الجهاديين على أوروبا
ويرى ماسن، أنه كلما تورط الغرب في سوريا والعراق أكثر، كلما ازداد خطر تنفيذ الجهاديين العائدين هجمات في أوروبا. ويضيف إلى ذلك شتاينبرغ بأن الضربات الجوية الأمريكية على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق تشكل دافعا وحافزا لهؤلاء الجهاديين.
ويؤكد رئيس هيئة حماية الدستور ماسن، والخبير الأمني غيدو شتاينبرغ، على أنه لا يمكن القضاء على التنظيم بسهولة وسرعة، حيث لديه مصادر تمويل كثيرة من حقول النفط التي يسيطر عليها والإتاوات التي يفرضها على الناس بالإضافة إلى التبرعات التي يتلقاها من مؤيديه وداعميه. ويشدد شتاينبرغ على أنه لا يمكن تحرير المدن الكبيرة التي يسيطر عليها مقاتلو "داعش" في سوريا والعراق بدون استخدام قوات برية، وخطط تدريب الجيش العراقي لا تكفي من أجل ذلك.
وبالنسبة لسوريا، يرى شتاينبرغ أنه ليس لدى أوروبا ولا أمريكا إستراتجية محددة، وأن تركيا تمنع انتقال المقاتلين ووصول المساعدات الإنسانية لدعم المقاتلين الأكراد (فرع حزب العمال الكردستاني) في مواجهتهم لمقاتلي "داعش". وفي هذا السياق يطالب شتاينبرغ ألمانيا بالضغط على تركيا للوصول إلى حل سلمي والاتفاق مع حزب العمال الكردستاني.
وطالما لم يهزم تنظيم "الدولة الإسلامية" سيستمر الجهاديون الألمان بالالتحاق به والقتال في صفوفه. وفي بضع حالات استطاعت السلطات الأمنية منع سفر بعضهم. ولكن تطرف الشبان يسير بسرعة وصمت خلال فترة قصيرة جدا، وهم جالسون في منازلهم أمام أجهزة الكمبيوتر، ولا تكشف الأجهزة الأمنية كل الذين يسايرون موجة التطرف ويرغبون في الانضمام إلى الجهاديين.
بيد أن رئيس هيئة حماية الدستور يؤكد أن السلطات الأمنية تسعى لحفظ الأمن في ألمانيا ويضيف "نحن نقوم بكل ما يمكن ويدخل ضمن صلاحياتنا". ولكن تأمين الحماية والحفاظ على الأمن ليس مسألة سهلة، إذ لا يمكن "مراقبة الجهاديين العائدين على مدار الساعة" واتخاذ إجراءات أمنية أخرى ضدهم، حيث ليس لدى الأجهزة الأمنية الميزانية الكافية المخصصة من أجل ذلك.