ألمانيا تراهن على الهيدروجين كبديل للطاقة النووية
٢٤ مايو ٢٠١٣لا يزال عدد كبير من الدول الأوروبية يراهن على الطاقة النووية، فإلى جانب روسيا ورومانيا وبلغاريا وبريطانيا هناك فرنسا التي تدير برنامجا طموحا في التقنية النووية. ويتم حاليا تشييد 65 مفاعلا في عدد من دول العالم مثل الصين والبرازيل والأرجنتين والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان، بل حتى اليابان تخطط لبناء مفاعلات جديدة. غير أن ألمانيا الرائدة دوما في هذا المجال أعلنت تخليها تدريجيا عن الطاقة النووية لتغلق آخر مفاعلاتها النووية ال 17 بحلول عام 2022 . وتحتل البحوث العلمية الألمانية مكانة ريادية في التقنيات النووية، إذ أن الباحثين الألمان يهتمون بشكل كبير بموضوعين أساسيين، وهما سبل معالجة النفايات النووية والتخلص منها، إضافة إلى التشغيل الآمن للمفاعلات النووية، كما يقول إرنست راينيكه مدير قسم بحوث أمن المفاعلات في المركز العلمي ببلدة يوليش الألمانية:" دراسة تلك الظواهر التي تنجم عن حوادث قوية والكشف عن سبل تفاديها تم إدراجها في التصاميم الجديدة للمفاعلات. فمفاعل الهيدروجين الأوروبي الذي يتم تشييده حاليا في فنلندا وفرنسا كان سيتخذ أشكالا أخرى لولا البحوث المرتبطة بالحوادث الكبيرة".
البحوث العلمية تركز أكثر على أمن المنشآت النووية
وتم تقوية هذا المفاعل بغشاء واق قوي يمتص المواد النووية التي تتسرب في حال وقوع كارثة نووية، على غرار ما حدث في فوكوشيما اليابانية عام 2011. فدور العلماء الألمان مؤثر في تصاميم المفاعلات النووية المستقبلية. لكن كيف ستكون ملامح هذا القطاع بعد تخلي ألمانيا عن الطاقة النووية؟
ديرك بوسباخ الذي يترأس معهد بحوث معالجة النفايات النووية في بلدة يوليش يعتقد بأن البحوث ستركز أكثر على مجالات بعينها، وقال "بحوث معالجة النفايات النووية ستستمر، لأن هذا الموضوع بحاجة إلى حلول. والتخلص من المفاعلات النووية سينال اهتماما أكبر. ومن ناحية أخرى هناك التشغيل الآمن للمفاعلات النووية. وأنظر شخصيا بإيجابية إلى هذا التطور حتى عام 2020 ، فنحن سنكون مضطرين حتى آخر يوم للتفكير في قضايا الأمن في البحوث النووية الجارية".
ويعتقد بوسباخ أن ألمانيا قد تفقد بعدها من خبراتها في بحوث التقنية النووية، لأن الشركات الدولية التي تنتج مفاعلات ستنقل منشآت البحوث والإنتاج إلى المناطق التي ُتشغل فيها مفاعلات. فتلك الشركات لا ترى جدوى في تطوير منشآت نووية لا تصدر السلطات المسؤولة في النهاية تراخيص لتشغيلها.
ويشير الباحث بوسباخ إلى أنه لا يمكن الحفاظ على المستوى العلمي وتطويره إلا من خلال الممارسة الفعلية المستمرة، وقال "إذا قمت حاليا بتمويل نيل شهادة دكتوراه تمتد أعمالها لفترة ثلاث أو أربع سنوات إلى حين صدور ما سينتج عن هذه الدكتوراه والحصول على ترخيص قانوني لإدراج ذلك في مفاعل نووي، فإننا سنتجاوز عام 2020 ".
ويجدر الإشارة إلى أن ألمانيا قررت التخلي عن آخر مفاعل نووي لها في عام 2020 لتركز على طاقة الهيدروجين كوقود بديل للوقود الأحفوري والغاز الطبيعي والديزل. وبعدها ستدخل الطاقة النووية في طيات صفحات التاريخ الألماني. الجدير بالذكر أيضا أن ألمانيا ملتزمة في إطار اتفاقيات دولية بوضع خبراتها في تقنيات الطاقة رهن إشارة جهات أخرى تكون في حاجة إليها، لكن ذلك قد يصبح صعبا مع النقص المتزايد في ظهور أجيال شابة من الباحثين الألمان في هذا المجال.
الألمان متمسكون بتطوير خبراتهم في تقنية الذرة
وفي هذا السياق أوضح الباحث بوسباخ "لماذا سنكون مضطرين لامتلاك القدرات المطلوبة في هذا المجال من البحوث العلمية إذا كنا سننسحب منه؟ وبما أن محيطنا الجغرافي توجد فيه مفاعلات نووية، نريد أن نكون قادرين في المستقبل أيضا على تقييم ما يفعله جيراننا، لاسيما وأن هناك تطلعات على المستوى الأوروبي لتكييف شروط الأمان، ونحن نريد أن تكون لنا كلمة في ذلك. إذن نحن بحاجة إلى أناس لهم كفاءات في هذا المجال".
ولا يتوقع من الجهات الحكومية الألمانية أن تقدم التمويل الضروري للبحوث في الطاقة النووية، لأنه لا أحد في ألمانيا سيستوعب ضرورة توظيف أموال عامة في سد تلك الثغرات في الوقت الذي تتخلى فيه البلاد عن الطاقة النووية.
ويلاحظ تراجع الاهتمام بالطاقة النووية حتى لدى الطلبة الألمان الذين تختار غالبيتهم شعبة تقنيات معالجة النفايات النووية عوض الدراسات المرتبطة بتقنية الذرة. لكن العديد من مجالات البحوث العلمية في التقنية النووية تظل ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الطاقات المتجددة، مثلا فيما يخص الاستخدام الآمن للهيدروجين الذي قد يتسرب من المفاعلات النووية في حال تجاوز الوقود النووي درجات الحرارة المعتادة، كما حصل مع كارثة فوكوشيما في اليابان. وقد يحدث انفجار غازي في حال تسرب الهيدروجين الذي يخزن أو ينقل كمولد للطاقة.
ورغم التغيرات المتوقعة يبقى الباحثون الألمان واثقين من أن تقنية الذرة ستظل مجالا مثيرا للاهتمام في بحوث الطاقة النووية حتى لو تخلت ألمانيا عن الطاقة النووية في مستقبل قريب.