مدن تقود مسيرة التحول للطاقات المتجددة
١٠ مايو ٢٠١٣
الزلزال والتسونامي ثم الكارثة الذرية في محطة الطاقة النووية في فوكوشيما، كل ذلك كان بمثابة جرس إنذارـ ليس لليابانيين وحدهم، وإنما أيضا للعديد من بلدان العالم. ومنذ ذلك الحين ثار النقاش بشأن ما إذا كان من الممكن تلبية الطلب على الطاقة دون اللجوء إلى توليد الطاقة النووية. وقد قررت الحكومة اليابانية بقيادة ناوتو كان التخلي عن الطاقة النووية بحلول عام 2040. توقفت كل المفاعلات اليابانية عن العمل منذ صيف 2012 باستثناء مفاعلين اثنين. وللمقارنة: من المخطط على سبيل المثال، إنشاء أكبر مزرعة رياح بحرية العالم قبالة سواحل فوكوشيما بحلول عام 2020، وسيبلغ عدد توربينات الرياح المخطط تركيبها هناك 143 توربينة، بسعة إجمالية تبلغ واحد غيغاواط. ومن المقرر أن تبدأ عمليات البناء في بداية شهر يوليو من العام الجاري 2013.
لكن حتى هذه المشاريع الطموحة لا يمكنها سد النقص في إمدادات الطاقة، فاليابان كانت تلجأ حتى الآن إلى تغطية ثلث احتياجاتها من الطاقة عبر الطاقة النووية، أما مزرعة الرياح المخطط بناؤها فهي لا تنتج سوى ربع كمية الطاقة التي كانت تُنتج في محطة الطاقة النووية المتوقفة عن العمل في فوكوشيما.
ونتيجة لذلك كان على اليابان- وهو بلد فقير الموارد- زيادة حجم وارداته من الفحم من استراليا، والغاز من الولايات المتحدة الأمريكية، والنفط من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. ونظرا إلى أن هذه الاستراتيجية مكلفة للغاية على المدى الطويل، فإن الحكومة الحالية تبدي تحفظا حيال التخلي عن الطاقة النووية.
ولهذا السبب فإن الكثير من اليابانيين لا يريد الانتظار حتى تتخذ الحكومة أخيرا الخطوات المناسبة من أجل تحقيق التحول إلى الطاقة الخضراء. وقد بدأت بعض المدن بالفعل السير في هذا الاتجاه، وهي بهذا تعطي صورة عن الحياة دون الاعتماد على الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية، وقد انضمت بهذا إلى ركب "المدن المتحولة إلى الطاقات المتجددة"، وتتمثل الفكرة الأساسية لهذه المبادرة في التكيف مع التغير المناخي، والاستعداد للوقت الذي ستنفد فيه احتياطات النفط.
كيفية تحقيق التحول في مجال الطاقة
مبادرة "المدن المتحولة" هي شبكة دولية نبعت من مجموعات شعبية، وهي تقوم على فكرة التنمية المستدامة. ولكنها لا تعتمد على الاستقلال الاقتصادي فحسب، وإنما أيضا على الشعور الجماعي القوى الذي من شأنه إشباع حاجة كل فرد من أفراد المجتمع. كل هذه المبادئ تنعكس على اسم المبادرة، فالاختصار“TT” للأحرف الأولى لإسم المبادرة باللغة اليابانية tanoshiku و tsunagaru تعني "المتعة" و "التواصل".
في عام 2008 أسس عشرة آلاف فرد من سكان بلدة فوجينو اليابانية أول مدينة متحولة في البلاد، وصكت في إطار ذلك عملة خاصة من أجل تعزيز تماسك المجتمع وتحقيق الاستقلال الاقتصادي. هذه العملة الخاصة التي أُطلق عليها “يوروزويا”، يمكن التعامل بها في المطاعم وأيضا لدفع أجرة خدمات بسيطة كقطع الحشائش الضارة، أو الاهتمام بالأطفال ورعايتهم في غياب الأهل.
#b# منذ وقوع كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011 تحظى مبادرة “المدن المتحولة” بشعبية متزايدة، فالسكان في فوجينو وفي غيرها من المدن الأخرى في اليابان على وعي عال بأهمية التحول في مجال الطاقة، وكما يقول هايد إنوموتو أحد مؤسسي مبادة "المدينة المتحولة في فوجينوـ فإن الناس لم يعودوا اليوم يتساءلون لماذا نحن بحاجة إلى تحول في مجال الطاقة؟ لكن السؤال في الوقت الراهن أصبح: كيف يمكننا تنفيذ هذا التحول؟ والآن بدأ الكثير من اليابانيين في التفكير في المصدر الذي تأتي منه الكهرباء التي يستهلكها، ويذهب الأمر إلى أبعد من هذا، إذ أن الكثيرين في اليابان يفكرون في اتخاذ موقف واضح من قضايا الطاقة التي تم تجاهلها في السابق. وكان لانقطاع التيار الكهربائي بعد وقوع الزلزال تأثير كبير على حياة الناس اليومية، فالأجهزة الكهربائية تعتبر من الضروريات بالنسبة للأسر اليابانية. وهكذا أدرك الكثير من اليابانيين أهمية الاكتفاء الذاتي من الطاقة وأهمية وجود مصادر متعددة للطاقة بدلا من الاعتماد على مصدر واحد فقط. وبالتالي بدأ الاهتمام بالنظم التي يمكن من خلالها توليد الكهرباء في المنزل، ومن ضمنها مثلا نظم الطاقة الشمسية.
ولذا تُنظم شهريا في فوجينو ورش عمل، حيث يتعلم المشاركون كيفية بناء وتركيب نظام الطاقة الشمسية المنزلية كألواح الخلايا الشمسية على سبيل المثال. في البداية كان الناس يتناقلون المعرفة في هذا المجال بين بعضهم البعض، لكن الفائدة كانت كبيرة فتوسعت طرق التعليم لتشمل عرض حلقات تلفزيونية خاصة، بل وصدرت أيضا مجلات فصلية متخصصة. وبلغ إجمالي إنتاج الطاقة من المحطات التي تم بناؤها أثناء ورش العمل في صيف عام 2012 أكثر من عشرة آلاف واط، وبالرغم من أن تلك الأنظمة لا تغطي كل احتياجات الطاقة، إلا أنها تتيح للمستفيدين منها قدرا من الاستقلالية عن التيار الكهربائي العادي، وتتوفر لديهم بالتالي القدرة على مواجهة حالات انقطاع التيار الكهربائي.
مصادر الطاقة المتجددة كافية
وتلقى فكرة "المدن المتحولة" رواجا متزايدا منذ قيام الناشط البيئي البريطاني روب هوبكنز بإنشاء هذه المبادرة عام 2005، وهناك الآن نحو 450 مدينة تحمل لقب "مدينة متحولة"، وهناك حوالي 600 مدينة أخرى تقدمت بطلبات لمنحها اللقب. وفي اليابان وحدها تقام كل أسبوع استعدادات خاصة ببدء مشاركة مدينة جديدة في مبادرة "المدن المتحولة"، وهكذا تتحقق فكرة المبادرة بشكل تدريجي وتلقائي. ويؤمن صاحب فكرة "المدن المتحولة" بأن المجتمعات - وليس الحكومات – هي العجلة المحركة لهذا التحول الاجتماعي، وأن ذلك يتم بهدف التكيف مع التغير المناخي وكذلك للحد من الاعتماد على النفط.
لن تكون اليابان بحاجة مستقبلا إلى الوقود الأحفوري، فهي ستغطي كل احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2050 على أبعد تقدير! هذا هو التحليل الذي خرجت به الدراسة الألمانية اليابانية Energy Rich Japan في عام 2003، فالإمكانات المتاحة أمام اليابان تكاد تكون مثالية، إذ يمكن تحويل الرياح التي تهب على الساحل الذي يصل طوله إلى 10 آلاف كيلومترا إلى طاقة، عبر إنشاء محطات لتوليد طاقة الرياح في عرض البحر. لكن اليابان لا تولد سوى 0.4 في المئة من احتياجاتها من طاقة الرياح.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعة الجزر اليابانية تقع على حزام النار بالمحيط الهادي، وقد رصد الخبراء عند الحفر حتى عمق كيلومترين فقط درجات حرارة عالية، إلى الحد الذي يُمكِن اليابان من تغطية ثلث احتياجاتها من الطاقة عبر الطاقة الحرارية الأرضية، وفقا للدراسة.
كما أن اليابان لم تستفد بشكل كامل من إمكانات الطاقة الشمسية المتوفرة لديها، فما تتمتع به من أشعة الشمس يفوق المتوسط العالمي بنسبة 22 في المئة، وهذا سيكون كافيا لإنشاء أنظمة للطاقة الشمسية على مساحة تعادل خمسة في المئة من المساحة الكلية للبلاد، وتلك الأنظمة ستلبي كافة احتياجات الطاقة في اليابان.
إن المزيج المؤلَف من كل هذه الأشكال من الطاقة، سيجعل اليابان مستقلة عن واردات الطاقة وسيجعلها كذلك أكثر مرونة. وعوضا عن وجود "مدينة متحوله " أو "مدن متحوله" فيها، ستصبح اليابان برمتها "بلدا متحولا".