ألمانيا تحيي ذكرى "ليلة البلور" ضد اليهود
٩ نوفمبر ٢٠١٣"مازلت أتذكر جيدا صباح العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني" يقول ف. ميشائيل بلومنتهال فقد "اعتقل والدي في الصباح الباكر، وفي غمرة توتر أمي تمكنت من الهرب إلى الشارع، حيث رأيت الواجهات الزجاجية المحطمة لشارع الكودام، كما رأيت الدخان يتصاعد من الكنيس اليهودي الذي خمدت فيه الحرائق ساعتها".
كان بلومنتهال حينها صبيا لم يتجاوز عمره الثانية عشر. وبعد خمسة وسبعين عاما عاد إلى العاصمة الألمانية برلين كمدير للمتحف اليهودي، وكأمريكي، بعد أن كان ألمانيًا يوما من الأيام.
ضرب وإهانة
في ليلة التاسع إلى العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 عرفت ألمانيا والنمسا موجة اعتداءات وحشية ضد اليهود. مئات من المعابد والكنس اليهودية تم نهبها، وتدميرها، وإحراقها. كما تعرض الناس في الشوارع إلى الضرب والإهانة، وفي أسوأ الأحوال إلى القتل، فقط لكونهم يهودًا. لم تتدخل الشرطة، كما أن رجال الإطفاء لم يعملوا على إخماد النيران في المعابد اليهودية ومتاجر اليهود، بل في البيوت المجاورة لها فقط.
لم يكن ذلك سوى البداية، ففي العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني تم اقتياد حوالي 30 ألف يهودي إلى معسكرات الإبادة، من بينهم والد ميشائيل بلومنتهال، الذي يرجع بالذاكرة إلى الوراء "مازلت أتذكر كلمات أمي عند اقتياد أبي من طرف شرطيين: ما الذي يحدث؟ ماذا ستفعلون به؟ ما الذي فعل؟ وكأي صبي في الثانية عشر من العمر، شعرت بفزع الكبار، شعرت بفزع أمي".
لماذا 9 نوفمبر/ تشرين الثاني؟
الاعتداءات الجسدية والترهيب النفسي تحولا إلى ممارسات يومية ضد اليهود بعد تولي النازيين الحكم عام 1933. كما أن العديد من اليهود فقدوا عملهم، وأصدرت قوانين تعمل على تضييق تحركاتهم في الأماكن العامة أو حتى منعهم من دخولها.
وعن تلك الليلة، يقول المؤرخ رافائيل غروس الذي يرأس المتحف اليهودي في رانكفورت، "إنه من المهم أن نفهم تلك الليلة على أنها نقطة تحول في التاريخ. فبعد 1938، بدأت مرحلة يمكن اعتبارها بأنها نهاية الحقبة اليهودية الألمانية، وفي ظلها تحول المجتمع الألماني إلى مجتمع آخر".
غير أن الحدث الفارق في هذه المرحلة عملية الاعتداء التي قام بها مراهق يهودي يدعى هيرشيل غرينسبان على دبلوماسي ألماني في باريس يدعى إرنست فوم راث في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني. وبمجرد إعلان الراديو الألماني الخبر، انطلق الهجوم على اليهود في عدد من المدن الألمانية، يومين بعد ذلك أعطى هتلر الأمر بنفسه، بل إن الوزير المكلف بالدعاية النازية غوبلز طلب في أحد خطبه مهاجمة اليهود والمحلات والمعابد اليهودية، وحث الشرطة على عدم التدخل، وطلب من رجال الإطفاء حماية الممتلكات "الآرية"، أما النهب فكان ممنوعا.
ولم يقتصر الهجوم على اليهود وممتلكاتهم على برلين فحسب، وإنما شمل مدنا ألمانية أخرى ككولونيا وفرانكفورت وهامبورغ، إلى جانب عدد من القرى الصغيرة. "لعدة أسباب شارك الألمان في الاعتداءات، وذلك إما فعليا أو بالسكوت"، يقول المؤرخ غروس مضيفا أن ما حدث" في نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 تمّ تحت أنظار صحافة العالم، والسفراء، وكل المواطنين".
الكودام الشهير يتحول إلى ساحة قتال
ورغم المنع الرسمي لنهب ممتلكات اليهود إلا أن يومي التاسع والعاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 شهدا ذلك، إذ أفاد تقرير للسفارة البرازيلية عن "اندلاع الحرائق، وعن عمليات نهب لدور العبادة اليهودية من قبل شباب ألمان". في حين قامت سفارات الدول المتواجدة في برلين بإرسال تقارير إلى بلدانها حول أحداث تلك الليلة، تضمنت في مجملها أنباء عن ترديد عبارات مشحونة بالكراهية كـ"البربرية الثقافية" وغيرها، كما يقول هرمان سيمون، مدير مركز Judaicum، والذي حرص على جمع كافة التقارير التي كُتبت عن ليلة الكريستال، من طرف عشرين دبلوماسيا تواجدوا حينها في برلين، على أن يتم عرضها مستقبلا في أحد المعارض.
وفي هذا السياق، دوّن القنصل البولندي في لايبزيغ ما حدث لعائلة يهودية بولندية، حيث "تم انتزاع ثياب زوجة شبريلنغ بالكامل، وحاول المعتدون اغتصابها". كما وصف السفير الليتواني شارع الكودام بـ"ساحة معركة". أما الممثل الدبلوماسي الفلندي في برلين فأفاد أن كثيرا من الألمان كانوا يرددون " أخجل من نفسي كوني ألمانيا"، لشعورهم بالذنب جراء ما شاهدوه.
سوء تقدير الموقف
غير أن الدبلوماسيين لم يبعثوا بمقترحات عملية أو كانت لهم توصيات محددة، في ظل "جو الانتظار والأمل الكاذب في التوصل إلى توافق محتمل مع النظام"، يقول سيمون، وهذا ما جعل التقارير "غير مؤثرة". بيد أن رفائيل غروس يرى عكس ذلك، إذ أنه يعتقد أنه وبعد ليلة الكريستال بدأت عملية نقل الأطفال إلى انجلترا، مضيفا أن "دولا تحركت، لكن عددها كان قليلا". وبالنسبة لعائلة بلومنتهال فقد هربت إلى شنغهاي، لكونه المكان الوحيد، الذي يمكن الدخول إليه وقتها بدون تأشيرة.