موسيقى المعابد اليهودية بين التقليد والتجديد
٦ نوفمبر ٢٠١٣يبدو أن داوود الذي تغلب على خصمه جالوت لم يكن ذكياً فحسب، بل لعله امتلك أيضا مهارات موسيقية. فقد ورد في التوراة أنه كان يسترضي الملك شاؤل بعزفه على القيثارة. كما أن أناشيد المدح والرثاء المعروفة باسمه "مزامير داوود" وردت في الكتاب المقدس ، ورغم عدم ثبوت كيفية إلقاء هذه الأناشيد، إلا أن اعتماد الأصوات والآلات الموسيقية والرقص كان يعتبر جزءا مهماً من طقوس العبادة في معبد القدس.
رمز الحزن الأبدي
وكانت هذه الطقوس معتمدة في العبادة لعدة قرون، رغم تدمير معبد القدس لمرات عدة، ورغم تعرض شعب إسرائيل للأسر والتشريد من حين إلى آخر. لكن الأمر تغير مع سحق المقاومة اليهودية على يد قوات الاحتلال الروماني في عام 70 ميلادي . ويشرح ستيفن لانغنارس الحاخام السابق هذا التغير بقوله: "بعدما دمر معبد القدس، قام الحاخامات باعتماد مرسوم اتخذ كرمز للحزن الأبدي، حيث أُبعدت الموسيقى عن المعابد اليهودية".
ويؤكد الحاخام السابق للطائفة اليهودية في ميونيخ وبافاريا العليا بأنه "كان الغناء مسموحا به ، و ظل الوضع على هذا الحال مدة طولية"، لكن تشريد اليهود بعد سحق مقاومتهم، جعلهم يحملون أغانيهم الروحانية معهم إلى أماكن نفيهم.
المعطيات الثقافية والموسيقية لبلدان الشتات التي عاش فيها اليهود أثّرت في موسيقى معابدهم ، وهو ما أثر بدوره على ثقافتهم، كما يوضح لانغنرس: "هناك من يقول إن موسيقى أغاني الميلاد منقولة عن موسيقى المعابد اليهودية، لكن لم يكن ممكناً التحقق من هذا الأمر نظرا لغياب سجلات مكتوبة لتلك الموسيقى". وربما تعود بعض الأغاني التي مازالت تغنى إلى اليوم إلى العصور القديمة، بيد أنها لابد أن تكون قد نُقحت مرارا وتكرارا من قبل ملحنين عدة منذ بدايات العصور الوسطى. وفيما كان اليهود في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط يلتزمون بحظر الموسيقى في دور العبادة، كان نظراؤهم في غرب ووسط أوروبا منذ القرن 18 يبحثون عن أشكال تعبير جديدة لموسيقى معابدهم .
الخلاف حول الأرغن
عزز حصول اليهود على حقوقهم المدنية في عصر التنوير ثقتهم بأنفسهم، فانعكس ذلك بدوره على الموسيقى التي كانت تعزف في دور العبادة. وسرعان ما تأثرت أغانيهم الروحية بلغة الموسيقى الرومانسية كما هو حال كورالات الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية.
وتم الاحتفاء ببعض قادة فرق الكورال ومنهم سالمون زولتسر أو لويس ليفاندوفسكي كملحنين على غرار الملحنين الكبار من أمثال فيليكس ميندلس زون أو بارتولدي أو جياكومو مايربير. وكان هؤلاء يدعمون الطوائف اليهودية الليبرالية في جهودها الرامية إلى إدماج آلة الأرغن في المعابد. وقد أثار هذا المسعى حفيظة الأرثوذكس المحافظين، الأمر الذي ساهم في تأجيج الخلاف حول الأرغن، كما يقول ستيفن لاغنرس: "عموماً، كانت تصادف موسيقى المعابد اليهودية في غرب أوروبا ترحيباً بارداً في المعابد اليهودية في شرق أوروبا، حيث كان يسود نمط مختلف من الموسيقى، لكن بالنسبة ليهود غرب أوروبا، كان النمط الرومانسي تعبيرا طبيعيا عن تدينهم".
أكثر من 70 معبدا يهوديا في ألمانيا كانت تضم آلة الأرغن، لكن هذه المعابد تعرضت للدمار على يد النازيين، ودُمر معها تنوع الحياة الموسيقية اليهودية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عادت موسيقى المعابد اليهودية للظهور ببطء لتكمل مسيرتها حيث توقفت. ويقول ستيفن لانغنرس "توجد بعض المعابد اليهودية التي حافظت على تقاليد الموسيقى الألمانية مثلما هو الحال في برلين، حيث يتم اعتماد الأرغن في العزف. ويتابع لانغنرس "أغلب المعابد متأثرة بالتقاليد الموسيقية لأوروبا الشرقية لأن أغلب أعضاء الجاليات اليهودية ينحدرون من هناك وأتوا بهذا النمط من الموسيقى إلى هنا".
وعموماً، يرى ستيفن لانغنرس أنّ الثقافة الموسيقية لليهود في ألمانيا تمتاز بتنوع يشمل النمط التقليدي الصارم والليبرالي الحديث ولا يهمل التوجه الرومانسي .