"أحفاد الحرب": صدمات نفسية موروثة من حروب لم يعايشونها
٣ سبتمبر ٢٠١٣أثناء "حرب الخليج الثانية" عام 1991 لم تكن بياته بورنموولر تستطيع النوم؛ "كان ينتابني خوف شديد أن تأتي الطائرات وتقصف منزلنا (...) كنت أعتقد أن هناك شيء ما خطأ وأن شيئا ما سوف يحدث"، هكذا تصف الألمانية بورنموولر مشاعرها خلال تلك الحرب، هذا على الرغم من أنها تعيش في مكان آمن ألمانيا وعلى بعد أربعة آلاف كيلو من ساحة المعارك التي يدور رحاها في العراق.
لم يكن من السهل على بياته بورنموولر أن تحكي لوالديها عن هذا الخوف الذي يعتريها، فعلاقتها بهما كانت أصلا ليست على مايرام، كما تقول. ولكن عندما وقع في يدها كتاب لطفلة يهودية نجت أسرتها من المحرقة النازية، أكتشف سبب مشكلتها. "يتحدث الكتاب عن انتقال الصدمة"؛ أي الخوف، والصدمات والتجارب المروعة التي تتقل بدون وعي من الجيل الذي عايش الحرب إلى الجيل الذي يليه. هذا الربط قد يبدو لأول وهلة غير منطقي، لكن واقع الحال يقول إن الأطفال الذين ولدوا في ألمانيا بعد عام 1960 ونشأوا أثناء الطفرة الاقتصادية بعيدا عن ويلات الحرب يعانون رغم ذلك من آثار الحرب العالمية الثانية.
انتقال الصدمات والمشاعر الباردة
بالنسبة لبياته بورنموولر تتكرر الجروح النفسية التي تأثرت بها والدتها مباشرة عقب الحرب، فقد عاشت لأشهر عدة بعيدا عن والديها في ملجأ. وعندما جاءت بياته إلى الحياة تركتها والدتها لمدة شهرين عند جديها. وهذا الأمر يولد الإحساس بفقدان لدى الأطفال في مرحلة نمو مهمة.
تقول الطبيبة النفسية كورا كيبكا إنه يأتي إليها مرضى يعانون من الخوف، أو الاكتئاب أو الوسواس القهري، أو الاحتراق النفسي، "دائما أحاول معرفة الظروف التي مر بها الوالدان، وغالبا ما يكون هنا ارتباط وثيق بين تلك الظروف وحالة الأبناء".
الطبية كيبكا تشتغل منذ سنوات طويلة في موضوع "أحفاد الحرب" وتقول في هذا السياق إن ما يلاحظه المرء في الغالب في سلوك عائلات هؤلاء هو أنها ذات مشاعر باردة نسبيا "قسوة نسبية" حيث لا يؤثر فيهم مثلا عندما يبكي أطفالهم، مشيرة إلى أن الكثيرين من جيل ما بعد الحرب يفتقدون لحب الوالدين في طفولتهم؛ "بالنسبة للبعض يقاس الحب بمقدار ما يقومون به من عمل".
"أحفاد الحرب": الجيل المنسي!
ظاهرة "أحفاد الحرب" ظلت في ألمانيا لفترة طويلة غير معروفة، حتى عام 2004 عدما ناقشت الكاتبة الألمانية زابينا بودا في كتاب بعنوان "الجيل المنسي" حول الأطفال الذين عايشوا الحرب. وكانت المفاجأة أن المؤلفة تلقت ردود فعل كثيرة ليس فقط من قبل الناس الذين عاصروا الحرب، ولكن أيضا من قبل أبنائهم؛ أي الجيل الذي ولد بعد الحرب.
وقالت بودا إن الرسائل تضمنت من تضمنته أنه " ليس من السهل أن تكون طفلا لمثل هؤلاء الآباء". وطالب هؤلاء المؤلفة أن تصدر كتابا آخرا حول وضعهم، وهو الكتاب الذي صدر فعلا عام 2009 بعنوان "أحفاد الحرب". خلاصة البحث الذي توصلت له المؤلفة هي أن أطفال هذا الجيل يجدون صعوبة في التواصل العاطفي مع والديهم، ويشعرون بالخوف غير المبرر وعدم الأمان، إضافة إلى مشكلات كبيرة في اختيار مستقبلهم المهني.
طرق التربية في العهد النازي
الأطفال الذين عايشوا بأنفسهم ويلات الحروب ظلت آثارها ترافقهم، ولم يتلقوا الرعاية النفسية المناسبة التي لم تكن معروفة أصلا حينها، وبالتالي لم يتغلبوا على آثار الصدمات التي تعرضوا لها. هذه المشكلات حملوها معهم ونقلوها إلى أبنائهم من خلال طريقة تربيتهم لهم دون وعي بذلك.
الطبيبة النفسية كيبكا تحمل أيضا طرق التربية المثيرة للجدل في العهد النازي جزءا من مسئولية المشاكل التي يعاني منها "أحفاد الحرب"، وتشير هنا بشكل رئيسي إلى كتاب بعنوان "الأم الألمانية والمولود الأول" للطبية جوانا هارر، والذي كان منتشرا على نطاق واسع في تلك الفترة. وتقتبس كيبكا من الكتاب: "الطفل هو فتى يجب أخذ مسافة منه وينبغي عدم الاستجابة لصراخه". الأخطر من ذلك أن هذا الكتاب ظل يعاد طبعه حتى عام 1996.
في هذه الأثناء أصبحت بياته بورنموولر قادرة على السيطرة على نفسها من الخوف الذي كان يلازمها، فلم تعد صور الحرب التي تعرض في التلفزيون تسبب لها الانفعال. وحاليا التحقت بمجموعة للتوجيه الوظيفي، لأنها تريد ترك وظيفتها الحالية والبحث عن شيء آخر، وهذا سلوك معتاد "لدى أحفاد الحرب"!