العنصرية النازية: التعقيم القسري والموت الرحيم
١٤ يوليو ٢٠١٣في صيف عام 1933 وصل النازيون إلى السلطة في ألمانيا. وأراد الحكام الجدد أن يشكلوا المجتمع حسب تصوراتهم، الأمر الذي تجسد في إصدار قانون "للحد من النسل بالنسبة للأشخاص الذين يحملون مرضا وراثيا"، وهو القانون الذي أصدره البرلمان الألماني "الرايخستاغ" في 14 يوليو/ تموز 1933 وسمي "قانون الصحة الوراثية". بموجب هذا القانون تم إحداث عقم بشكل قسري لدى الناس الذين يعانون من أمراض وراثية معينة.
أنصار نظرية "تحسين النسل" رحبوا بهذا القانون، فبالنسبة لهم سيحد ذلك من الناس"الدونيين"، لكن بالنسبة لضحايا هذا القانون كان الأمر مأساويا، لأنه يعني حياة بلا أطفال. الكثير من هؤلاء أصيبوا بأزمات نفسية شديدة، وعاشوا حياة طويلة من المعاناة، لكن بالنسبة للنازيين فلا مكان في المجتمع "للمريض" أو "للضعيف".
انتصار لصالح "تحسين النسل"
نماذج من الأمراض التي كان يخضع أصحابها للتعقيم القسري: "البلاهة الخلقية" والصرع، وانفصام الشخصية، والعمى والصمم الوراثيين، فضلا عن الناس الذين يعانون من تشوهات خلقية وراثية، بالإضافة إلى المدمنين على الكحول. المؤرخة كريستيانه روثمالر تستكشف تاريخا طويلا من التعقيم القسري تحت الحكم النازي.
الحديث عن تحسين النسل انطلق مسبقا منذ القرن التاسع عشر، وتقول روثمالر: "لا يمكن نسبة ذلك فقط للنازيين 'الأشرار' وحدهم." وتتابع: "لقد كان علم الوراثة تخصصا مهما جدا، وساعتها لم تكن النازية وصلت للمستوى الوحشي المعروف عنها، لكن الأطباء على الخصوص رحبوا بقانون يستطيع أن يحقق الحلم الجيني القديم." أي الحلم بمجتمع مثالي خالٍ من "عناصر دونية" حسب تصورهم.
تجربة الإنسان السوسيو-بيولوجية
كنتيجة لهذا القانون قام الأطباء بتعقيم المرضى الوراثيين المفترضين. وكانت هذه العملية تشمل خاصة من يعانون من "البلاهة الخلقية"، وكذلك المهمشين في المجتمع، فكان يخضع لهذا التعقيم القسري المجرمون، والعاهرات، أو ببساطة الناس الذين لم يتمكنوا من التأقلم مع متطلبات المجتمع، وأصبحوا أناسا "إشكاليين" في المجتمع.
كانت المكاتب الإدارية تحتفظ لهؤلاء الناس بملفات، يعرفون من خلالها الكثير عن هؤلاء الأشخاص. المشكلة في ذلك الوقت أيضا أنه لم تكن هناك معرفة عميقة بالأمراض الوراثية. "لقد وضعوا تصورا لكيف يمكن أن تكون، مجموعة من العلامات دليلا على الوراثة المرضية، كلون الشعر مثلا"، كما تقول المؤرخة كريستيانه روثمالر.
محاكم قانون الصحة الوراثية
في كل مكان في ألمانيا أصبحت هناك محاكم لتنفيذ قانون الصحة الوراثية واتخاذ قرار بشأن التعقيم القسري، وكانت هذه المحاكم تتكون من قاض وطبيبين. وعندما كان يصدر حكم بالتعقيم القسري، يكون للمعني بالأمر ثلاث إمكانيات: الأولى الخضوع لهذا الإجراء، والثانية الإعتراض على الحكم، أما الإمكانية الثالثة فكانت الهرب.
إمكانية الاعتراض على الحكم، كانت نادرا ما تنجح، أما الذين يهربون فإن الشرطة تبحث عنهم مثل المجرمين، ولم يكن لمعظمهم أي مهرب. وكان التعقيم القسري يُجرى في أي مستشفى من مستشفيات ألمانيا، ولم يكن القاصرون مستثنيين من هذا القانون، فحتى الأطفال الذين يبلغ عمرهم 14 سنة، كانوا يخضعون للتعقيم القسري حسب نفس القانون. وحسب الأبحاث فإن 400 ألف شخص خضعوا للتعقيم الإجباري في ألمانيا النازية، و6000 شخص ماتوا من مضاعفات التعقيم القسري.
"الموت الرحيم"
"المرضى الميؤس من وضعهم... يمكن أن يحظوا بالموت الرحيم"، هكذا كتب أدولف هيتلر في رسالة مع بدايات الحرب العالمية الثانية في 1 سبتمبر/ أيلول 1939. وكانت هذه مرحلة جديدة وقاسية فيما يخص سياسة "تحسين النسل"، حيث يستهدف "الموت الرحيم" المعاقين جسديا ونفسيا. "من لا يمكننا علاجهم فمن الأفضل القضاء عليهم، هكذا كان يعتقد الأطباء ساعتها"، وفقا للمؤرخة كريستيان روثمالر. لذلك كان العديد من الأطباء والممرضين متهمين بقتل آلاف الأشخاص.
تقريبا حوالي 70 ألف شخص تم قتلهم في ما يعرف بعملية T4. ويعود الإسم الذي أطلق على هذه العملية إلى الحرف الأول من اسم الشارع ورقمه، الذي كانت تتواجد به منظمة القتل الرحيم في برلين. أما القتل فكان يتم عن طريق حقنات قاتلة، أو إدخال المرضى إلى غرف الغاز. وبعد احتجاج الكنسية الكاثوليكية توقفت هذه العملية.
بعد نهاية الحرب في عام 1945 كان على ضحايا التعقيم القسري أن ينتظروا عقودا طويلة من الزمن حتى يحظوا باعتراف بهذه الجريمة، وذلك حينما أعلن البرلمان الألماني سنة 1988 أن مئات الآلاف من ضحايا التعقيم القسري في العهد النازي قد تعرضوا للظلم. يقول ساشا ديكر من منظمة " أكتسيون مينش" والتي تهتم منذ خمسين سنة بشؤون المعاقين جسديا ونفسيا: "إنه من المهم أن لا ننسى مثل هذه الجرائم التي طبعت تاريخنا، وعلينا أن لا ننسى خصوصا المدة الزمنية القصيرة التي تفصلنا عنها."