أطفال الشوارع في المغرب: بين الحلم بالهجرة ومرارة حياة التسكع
٢٢ سبتمبر ٢٠٠٨في النظرة الأولى، لا يختلف محمد عن باقي الأطفال المغاربة، فهو صغير القامة وأسود الشعر. لكن محمد ليس بالطفل العادي، فوجهه تغطيه قشرة سوداء نتجت عن خليط من العرق وغبار الشوارع. وعلى الرغم من البقع السوداء التي تغطي البدلة الرياضية التي يرتديها محمد، ل يمكن التعرف فيها على ألوان فريق كرة القدم الألماني. يطمح الطفل محمد إلى الوصول إلى رموز من عالم آخر، ويقول: "أختي كانت في الخارج. كانت تتحدث دائما عن الحياة في الخارج". وحين يتحدث الطفل الصغير عن حياته يبدو أكبر سنا، خاصة وهو يتذكر أحداث حياته قائلاً: "حين طردني زوج أمي من البيت لم يخطر ببالي إلا الحريك"، ويقصد بالحريك الهجرة السرية نحو "فردوس أوروبا".
من حلم الهجرة إلى التشرد
لم يكن محمد يتعد ربيعه العاشر، حين طُرد من بيته قبل ست سنوات. فتوجه حينها إلى مدينة فاس القريبة من قريته ومن هناك نحو طنجة، أما هدفه فكان آنذاك الوصول إلى القارة الأوروبية. فاختبأ بين السيارات في باخرة متوجهة نحو إسبانيا، لكن الكاشف الالكتروني الذي يستطيع كشف نبضات قلب كل من أخفى نفسه بين هياكل السيارات والشاحنات، استطاع أن يكتشف مخبأه، منهياً محاولته الأولى للهرب، فتم إرجاعه إلى مدينة طنجة وتسليمه للسلطات المغربية، التي رحلته بعد ذلك إلى مدينة المحمدية. ويسرد محمد ذكريات مغامرته الأولى بالقول: "في طنجة تم حبسي مع أطفال آخرين لمدة ثلاثة أيام، ولم يقدم لنا غير الخبز للأكل". بعدها قدم محمد إلى مدينة الدار البيضاء التي تبعد بضعة مئات الكيلومترات عن بيت والديه.
ملتقى أطفال الشوارع
محطة ولاد زيان في الدار البيضاء تعد ملتقى أطفال الشوارع في هذه المدينة المليئة بالمتناقضات. وخلال النهار يحاول هؤلاء كسب بعض الدراهم مقابل مسح أحذية أو حمل حقائب الآخرين أو بيع السجائر أو التسول، أما في الليل فيحاولون الوصول إلى ميناء المدينة أو إيجاد وسيلة للوصول إلى طنجة. وهذا ما قام به محمد قبل أن تسنح له الفرصة للقيام بمحاولة ثانية للهجرة. في هذه المرة، لم يستطع الكاشف الآلي الكشف عنه، مثلما يروي محمد ويضيف: "ولكن رجال الشرطة لاحظوا وجودي بين عجلات الشاحنة واعتقلوني. أما المرة الثالثة، فكانت مختلفة، فمحمد نجح خلالها في الوصول إلى الجزيرة الخضراء مثلما يقول بافتخار، ويضيف: "تسللت في شاحنة محملة بالمخدرات. لكن البوليس اعتقلني عندما وصلت إلى الجزيرة الخضراء. وبعد بضعة أيام تم إرجاعي إلى المغرب"
مأساة محمد ليست حالة خاصة
ومثل محمد، يحاول العديد من الأطفال يومياً الوصول إلى الضفة الأخرى في رحلة لا تخلو من مخاطر، وتكلف الكثير منهم حياتهم. في العام الماضي نجح أكثر من ألف طفل في الوصول إلى الأراضي الإسبانية. ولكن عوضاً عن الاهتمام بهم كما تنص اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الأطفال والتي التزمت السلطات الإسبانية بتطبيقها، يتم تسليمهم إلى الشرطة المغربية.
وفي تصريح لها حول الموضوع، قالت السلطات الإسبانية إنه من الأفضل لهؤلاء الأطفال الرجوع إلى بيوت آبائهم. لكن الكثيرين منهم تنقلهم الشرطة المغربية بواسطة حافلات إلى مدن مختلفة بصورة عشوائية.
وعلى الرغم من هذه المعاملة القاسية فإنهم لا يمتنعون عن التفكير في الهجرة ويكررون المحاولة لتحقيق هذا الهدف، مثلما فعل مروان البالغ من العمر الستة عشر سنة مثلاً. غادر مروان بيت والديه قرب مدينة أغادير قبل ست سنوات ليتوجه إلى مدينة طنجة. وقضى هناك عدة أيام في الميناء إلى أن سنحت له الفرصة بالتسلل إلى حاوية بضائع. لكن محاولته باءت بالفشل هو الآخر ومصيره كان شبيها بمصير محمد: بضعة أيام في السجن، ثم ركوب الحافلة صوب الدار البيضاء.
ولم تمض إلا أيام قليلة حتى وصل إلى طنجة من جديد في محاولة ثانية، لم يكتب لها النجاح. وبالرغم من ذلك، لم يتخل مروان هو الآخر عن حلمه بالوصول إلى الضفة الأخرى، حيث يقول وهو يمسح العرق عن جبهته بكم سترته البنية: "أنتظر اللحظة المناسبة. ابن عمي نجح أيضا في الوصول إلى أوروبا"، فيقول صديقه رشيد ضاحكاً: "أنا أيضا سأكرر المحاولة. بكل صراحة، سوف أعيدها".
الدافع الأساسي للهجرة: الفقر والتشرد
رشيد قدم هو الآخر من مدينة أغادير قبل عامين حين طرده عمه من البيت. ولا تختلف قصته عن قصص الآخرين إلا في بعض التفاصيل. رشيد يرتدي سروالا كان لونه أبيضاً ذات مرة ولا يصل إلى كعبيه. إنه يريد الهجرة إلى أوروبا حتى يمكنه التغلب على الفقر والحرمان الذي يعاني منهما الآن. "كل شيء يدور حول المال" كما يقول. "كل من وصل إلى أوروبا يرجع غنيا. لو كان من الممكن عيش حياة هنيئة في هذا البلد، لما فكرنا في الهجرة، فكل من يملك المال الكافي لا يفكر في الهجرة". ولا يفكر رشيد في نفسه فقط، بل في عائلته أيضاً: "والدي في حاجة إلى المال وأمي مريضة جدا. إنني أكبر إخوتي وإذا لم أساعد عائلتي فلن يقوم أحد بذلك. الدولة نسيتنا، لديها اهتمامات أخرى. لا أحد يفكر بنا وبمستقبلنا".
أما محمد فهو يحلم بالوصول إلى أوروبا، دار الأمان حسب وجهة نظره، وملاقاة امرأة أكبر سنا، لكي تربيه كأم حقيقية. ابتسامة خجولة تغطي وجهه الصغير، ويبدو فجأة كطفل، كأي طفل آخر.