أزمة الملف النووي الإيراني تهديد جدي لفرص الإستثمار الألمانية
١٧ أغسطس ٢٠٠٥لا شك أن إعلان إيران عزمها على استئناف نشاطاتها النووية الحساسة وعدم اكتراثها بتحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن ينذر بتصعيد جديد وأزمة كبرى تلقي بظلالها على المعادلات السياسية الإقليمية وعلى عجلة الإقتصاد العالمي. فالنخبة الإيرانية الحاكمة تحاول مواجهة التهديدات الإقليمية ولعب دور سياسي أكبر يليق بثقل الجمهورية الإسلامية. وفي هذا السياق يأتي إجماع القوى السياسية الإيرانية على حق إيران المشروع في امتلاك التقنية النووية ليعطيه القيادة الإيرانية الجديدة مزيداً من الاعتداد بالنفس في ظل الحملة الشعواء التي تشنها الإدارة الأمريكية ضد إيران والتي تذكر بالاتهامات الأمريكية لصدام حسين وما قيل عن امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل.
إغراءات أوروبية
تظهر عقلانية الرد الإيراني في طلبها بديلاَ مقبولاَ لتخليها عن حق مشروع والذي يتمثل في تزويدها بالتكنولوجيا النووية، إلا أن الأوروبيين تلكئوا في الإجابة عن هذا الطلب الإيراني، وهو ما يعطي دليلاً واضحاً للمعايير الأوروبية المزدوجة في التعامل مع الملفات النووية. ومن جهتهم يأمل المفاوضون الأوروبيون عن طريق الإغراءات المالية بأن تصرف إيران نظرها عن استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم حيث يلوحون لها بعقود تجاريه وبتسهيل دخولها إلى منظمة التجارة العالمية لمساعدة الاقتصاد الإيراني المتدهور وتحديث بنيته التحتية. كما تحتاج إيران، استنادا إلى حسابات الأوروبيين، إلى إصلاحات اقتصادية وإستثمارات أجنبية وإدماجها بالسوق العالمية.
إيران قوة إقتصادية إقليمية
تعد إيران واحدة من الدول القليلة التي لم تبرم حتى الآن اتفاق تعاون مع الإتحاد الأوروبي. وقد حال دون ذلك انتقاد الاتحاد الأوروبي المتواصل لنظام الثورة الإسلامية في مجالي حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، غير أن إيران ذات السبعين مليون نسمة والغنية بالموارد الطبيعية تعد سوقاً جذاباً للكثير من الشركات والمستثمرين. لذلك يطمح الجانبان الى الوصول إلى صيغة مرضية، فمن ناحية تدعم إيران اقتصادها الصاعد، ومن ناحية أخرى يأمل الإتحاد الأوروبي أن يؤدي الوصول إلى تعاون اقتصادي وتحرير التجارة إلى تشجيع إيران على إدخال إصلاحات جادة على نظامها. وفي هذا الإطار بدأت بالفعل بعض الشركات الألمانية تواجدها في السوق الإيرانية، فأعلنت شركة فولكسفاغن عن نزول سيارتها من موديل "بول" إلى الأسواق الإيرانية في فبراير/شباط القادم بقطع غيار صنعت في البرازيل وجمعت في إيران. ومن الجدير بالذكر أن ألمانيا وإيران تمتعتا بعلاقات اقتصادية وثيقة قبل قيام الثورة الإسلامية، حيث كانت األمانيا من أقرب حلفاء الشاه رضا بهلوي.
تهديد للمصالح الألمانية
الحكومة الألمانية لا تحبذ إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، لأنها تخشى من فقدان فرص استثمار حيوية للاقتصاد الألماني. فألمانيا هي أكبر شريك تجاري لإيران في الوقت الحاضر، كما تلقى الصناعة الألمانية منذ العقد الأخير الماضية رواجاً كبيراً في السوق الإيرانية. واستنادا إلى معلومات اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية ارتفع عائد الصادرات الألمانية إلى إيران خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي بنسبة 30 بالمئة، أي ما يعادل ثلاثة مليارات يورو. ومن شأن عائدات كهذه جعل انسحاب الشركات الألمانية من السوق الإيرانية في حالة فرض عقوبات اقتصادية دولية تضطر الحكومة الألمانية إلى الالتزام بها أمراً صعباً، وهو ما دفع المستشار الألماني إلى رفض الخيار العسكري جملة وتفصيلاً مشيراً إلى تهديد المصالح الاقتصادية الألمانية وتأثيرها السلبي على نمو الإقتصاد الألماني