تشبث إيران بطموحاتها النووية وإزدواجية المعايير الأوروبية
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس أن إيران استأنفت أنشطة نووية كانت قد أوقفتها بموجب اتفاق مع القوى الثلاث الكبرى في الاتحاد الأوروبي. وقالت الوكالة في بيان أن "مدير عام الوكالة محمد البرادعي أبلغ أعضاء مجلس المحافظين أن إيران بدأت اليوم تغذي بمركزات خام اليورانيوم الجزء الأول من خط المعالجة في منشأة تحويل اليورانيوم." لكن البيان أشار إلى انه "ينبغي ملاحظة أن الأجزاء المختومة من خط المعالجة لم تزل سليمة." وسيعقد مجلس محافظي الوكالة اجتماعا طارئا اليوم الثلاثاء لبحث هذا التصعيد الجديد في الأزمة المتعلقة بطموحات إيران النووية. وأضافت الوكالة أن "هذه الأنشطة بدأت في أعقاب وضع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للكاميرات اليوم...ولكن للأسف قبل استكمال الاختبارات العملية للكاميرات والتي تستغرق عادة 24 ساعة بعد تركيبها."
وكانت إيران قد أوقفت العمل بكل أجزاء برنامجها النووي التي يمكن أن تستخدم في إنتاج وقود يورانيوم مخصب للمفاعلات النووية أو للأسلحة بموجب اتفاق توصلت إليه مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا في باريس في نوفمبر تشرين الثاني عام 2004. وطلب الاتحاد الأوروبي الذي يشارك واشنطن شكوكها بان برنامج طهران النووي يستهدف تطوير أسلحة ذرية من إيران التخلي طوعا عن جميع الأنشطة النووية الحساسة مقابل حوافز سياسية واقتصادية. ولكن إيران رفضت وأصرت على أن برنامجها لا يستهدف إلا التوليد السلمي للكهرباء. ومن أجل مراقبة التزام طهران باتفاق باريس قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوضع أختام على معدات حساسة بمنشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان ومحطة تخصيب اليورانيوم في نطنز.
بريطانيا قلقة وفرنسا تهدد
ومن جهتها قالت بريطانيا أمس أنها تشعر "بقلق بالغ" لقرار إيران استئناف العمل في تحويل اليورانيوم في منشأة أصفهان بوسط البلاد. ووصف وكيل وزارة الخارجية البريطانية ايان بيرسون رفض إيران لمقترحات الاتحاد الأوروبي الخاصة بعرض حوافز اقتصادية وسياسية تهدف إلى إقناع طهران بالتخلي نهائيا عن العمل في دورة الوقود بأنه "ضار". أما وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي فأشار أن استئناف طهران للنشاطات النووية الحساسة فتح "أزمة خطيرة" داعيا الأسرة الدولية إلى "الاتحاد" لمواجهة هذا التحدي. وقال الوزير أن "الأسرة الدولية ستتحرك وستقرر الرد المناسب على القرار الإيراني". وأضاف "آمل في أن نتحد لمواجهة هذه الأزمة الخطيرة التي أثارتها إيران عمدا". وأوضح أن إيران اتخذت الاثنين "قرارين أحاديين خطيرين مقلقين". وتابع "لقد تلقينا ردا رسميا سلبيا على الاقتراح الذي قدمته ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في رسالة. ويشكل استئناف عملية تحويل اليورانيوم في مصنع أصفهان (وسط إيران) "انتهاكا صارخا لاتفاق باريس (المبرم في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2004) وقرارات الوكالة الدولية التي تنص على تعليق النشاطات الحساسة". وفي ما يتعلق بالاقتراح الأوروبي "إننا نأسف لان إيران لم تأخذ الوقت اللازم لدرسه بشكل معمق ولم ترغب في بحثه معنا كما اقترحتا". وقال دوست بلازي إن "الذرائع لرفض هذه المقترحات غير مقنعة" دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل. وقال إن "المبادرة الأوروبية فتحت نافذة تسمح لإيران بإعادة الثقة. وايران تقوم حاليا باقفال هذه النافذة". ودعا الوزير مجددا "إيران إلى سماع صوت العقل والى العودة بلا تأخير لاحترام اتفاقات باريس بشكل تام".
الاستحقاق النووي الإيراني وغياب الحوافز الحقيقية
إتجاه إيران إلى استئناف بعض الأنشطة المتعلقة بالوقود النووي اعتباراً من يوم الاثنين السابق يعبر عن ثقة إيرانية جديدة من نوعها بالنفس وبقدرتها على التعامل مع الضغط الكبير الذي يمارسه المجتمع الدولي عليها لوقف عمل البرنامج النووي الإيراني خشية تطوير الجمهورية الإسلامية لأسلحة الدمار الشامل. كما أن رفض الحكومة الإيرانية للتحذيرات التي وجهها لها الاوروبيون من مغبة معاودة بعض النشاطات النووية الحساسة وتأكيدها على عدم تخليها عن"حقوقها المشروعة" وأن "زمن التهديد والترهيب قد ولى" يعود إلى ثقتها بوجود إجماع وطني لا لبس فيه لدى كل قوى الطيف السياسي الإيراني على حق إيران المشروع في امتلاك التقنية النووية. وفي هذا الصدد يعتبر الايرانيون أن الاوروبيين تعهدوا في اتفاق باريس بالاعتراف بحق إيران في ممارسة نشاطات تحويل اليورانيوم وتخصيبه. كما يعتقدون أن المفاوضات التي عقدوها مع الأوروبيين طوال ثمانية اشهر قد اسفرت "عن القليل (..) إن لم يكن لا شيء"، على حد تعبير المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية.
طموح إيراني ومعايير أوروبية مزدوجة
على الرغم من أن المرشد العام للثورة الإيرانية يحدد الخطوط العامة للسياسية الإيرانية، إلا أنه يرجح أن تكون تجربة حكم الرئيس احمدي نجاد جديدة من نوعها، فهو يتمتع بتفويض جماهيري كبير، بالإضافة إلى دعم أركان الجمهورية الإسلامية له. كما أن إجماع القوى السياسية الإيرانية على حق إيران المشروع في امتلاك التقنية النووية يعطيه مزيداً من الاعتداد بالنفس في ظل الحملة الشعواء التي تشنها الإدارة الأمريكية ضد إيران والتي تذكر بالاتهامات الأمريكية لصدام حسين وما قيل عن امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل. كما يأتي التطور الجديد بعد أن كررت إيران عدم سعيها إلى امتلاك القنبلة الذرية وأشارت إلى أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لا تحظر تخصيب اليورانيوم. وهنا تظهر عقلانية الرد الإيراني إذ طلبت إيران من الدول الأوروبية بديلاَ مقبولاَ لتخليها عن حق مشروع والذي تمثل في تزويدها بالتكنولوجيا النووية، إلا أن الأوروبيين تلكئوا في الإجابة عن هذا الطلب الإيراني، وهو ما يعطي دليلاً واضحاً للمعايير الأوروبية المزدوجة في التعامل مع الملفات النووية. ففي خضم التهديدات الدولية للنظام الإيراني لا يخطر في بال صانعي السياسية الأوروبية ممارسة الضغط على إسرائيل وحثها على توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أو تقليص ترسانتها النووية. كما لا يطلب هؤلاء الساسة من الهند وباكستان إخضاع برنامجهما النووي للرقابة الدولية. ومن هذا المنطلق يبقي الإقتراح الجدي والعادل لحل إشكالية الملف النووي الإيراني متمثلاً في تفكيك الترسانة النووية في الشرق الأوسط بكاملها في إطار معاهدة دولية تشرف عليها القوى العظمي وتفرضها على جميع الأطراف، وفقاً لرؤية سبيغينيف بريجسنسكي مستشار الأمن القومي السابق في إدارة جيمي كارتر الأمريكية.
لؤي المدهون