إيران على مفترق طرق: بين شبح "الطالبانية" وضرورة الاعتدال
فتحت مراكز الاقتراع أبوابها اليوم الجمعة بداية من الساعة التاسعة صباحا أمام 47 مليون ناخب مسجل على قوائم الانتخاب حيث بدأ الناخبون الإيرانيون التصويت في جولة حاسمة في انتخابات الرئاسة الإيرانية. ويتنافس في جولة الاعادة هذه السياسي المخضرم اكبر هاشمي رافسنجاني الذي يوصف بالحنكة والاعتدال والبراغماتية السياسية مع رئيس بلدية طهران المتشدد محمود احمدي نجاد الذي قد ينذر فوزه بانتهاء عملية "الإصلاح" الداخلي لنظام الجمهورية الإسلامية التي بدأها الرئيس الإيراني الحالي محمد خاتمي قبل ثمانية أعوام دون أن ينجح بتحقيق تغيير جذري في بنية عملية صناعة القرار السياسي الإيرانية.
جولة اليوم تشهد تنافساً بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى أصوات من بين سبعة مرشحين تنافسوا في الجولة الأولى التي جرت الأسبوع الماضي دون نتيجة حاسمة فيها. وتعتبر هذه المرة الأولي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 التي لا ينتخب فيها الرئيس من الجولة الأولى من الانتخابات. وكان المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي من بين أوائل الذين أدلوا بأصواتهم بعد فتح مراكز الاقتراع في طهران، حيث أعرب عن ثقته بنزاهة الانتخابات ودعا الإيرانيين إلى المشاركة بكثافة فيها. كما نفى خامنئي دعمه لأي من المرشحين، مشيرًا إلى أن هذا الادعاء مصدره الخارج، وطالب الهيئات المشرفة على الانتخابات بالحياد والموضوعية.
وجهان لعملة واحدة؟
وعلى الرغم من وصف داعية حقوق الإنسان الفائزة بجائزة نوبل للسلام شيرين عبادي رافسنجاني و احمدي نجد بأنهما "وجهان لعملة واحدة"، إلا أن هناك فروقات واضحة بينهما، وخاصة فيما يتعلق بالتعاطي مع دور إيران إقليمياً ودولياً. فرافسنجاني البالغ من العمر 70 عاما، والذي يحاول استعادة منصب الرئاسة الذي شغله من عام 1989 إلى عام 1997 يقدم نفسه على انه "ليبرالي" معتدل. كما أنه تعهد بمواصلة الإصلاحات التي بدأها الرئيس المعتدل المنتهية ولايته محمد خاتمي والذي خفف من تقييد الحريات الاجتماعية واتبع سياسة "الحوار والوفاق" مع الغرب ومع جيران إيران. أما أحمدي نجاد (48 عاما) فهو من رجال "الحرس الثوري" السابقين، ويستمد شعبيته من الفقراء المتدينين حيث وعدهم بتقسيم ثروات النفط الإيرانية بطريقة تتميز بالعدالة. كما أن العلاقات مع واشنطن ليست من "أولوياته"، على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته يعتقد المراقبون أن جولة الإعادة متقاربة بشكل اكبر مما كان متوقعاً وسط انقسامات اجتماعية عميقة ناتجة عن اتساع الهوة الطبقية بين نخبة المنتفعين اقتصاديا من نظام الجمهورية الإسلامية وبين الطبقة الفقيرة فيها. وقال رافسنجاني بعد أن أدلى بصوته "إنها منافسة متقاربة للغاية. لكن طبقا لمعلوماتي فأنا متقدم على المرشح الآخر. كما أعلن عن رغبته في القيام "بـدور تاريخي..... وهو وقف هيمنة التطرف."
براغماتية رافسنجاني
لا شك أن الصورة النمطية التي تساهم وسائل الإعلام العالمية بنشرها لا تعكس الأهمية الحيوية لهذه الانتخابات. فمشاركة حوالي 30 مليون ناخب في الدورة الأولى تعزز شرعية النظام السياسي الحالي وتساهم في توسيع قاعدته الشعبية في مواجهة انتقادات الغرب الموجهة له. ورغم إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي اليوم الجمعة إن إيران "ستستأنف على المدى القصير عمليات تخصيب اليورانيوم مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية الجارية" إلا أن المراقبين يعتبرون رافسنجاني الشخصية الأكثر أهلية واعتدالا لحل هذه الإشكالية. كما أن هذا التوقع الغربي يأتي بعد "القلق" من تصريحات المرشح المحافظ المتشدد احمدي نجاد حول موضوع المفاوضات.
إضفاء الشرعية على كيان الجمهورية الإسلامية
وفي حوار خصت به موقعنا، أشارت الصحافية الألمانية ـ الإيرانية كاتايون أمير بور، الباحثة في العلوم الإسلامية والمختصة في الشؤون الإيرانية إلى أن الناخب الإيراني يملك الخيار بين "الطاعون والكوليرا"، وأن التيار الإصلاحي سيقوم بـتأييد رافسنجاني، ليس اقتناعا ببرنامجه السياسي وبأطروحته الإيديولوجية، بل من أجل منع خطر عودة "النزعة الطالبانية"، التي يجسدها محافظ مدينة طهران إلى المجتمع الإيراني، مذكرةً بالسنوات الأولى للثورة الإيرانية التي سادت فيها دكتاتورية القمع والعنف. كما قللت الخبيرة المطلعة على آليات العمل السياسي الإيراني من دور "الانقسام الطبقي" (بين طبقة الأغنياء والفقراء) في تحديد قرار الناخبين الإيرانيين، مشيرة بوضوح إلى أن كلا المرشحين لا يمثلان "وجهين لعملة واحدة". فبالرغم من أنهما جزء من مؤسسة صناعة القرار في الجمهورية الإسلامية، وبالرغم من صعوبة "إصلاح النظام السياسي الإيراني"، إلا أن رافسنجاني هو "الشخصية الوحيدة التي تملك القدرة على إخراج إيران من عزلتها السياسية والتوصل إلى حل وسطي مقبول لمعضلة الملف النووي الإيراني في مقابل الحصول على التقنية الضرورية لتحديث الاقتصاد تجاوباً مع استحقاقات الواقع السياسي".
لؤي المدهون