الانتخابات الرئاسية الإيرانية: جعجعة بلا طحين؟
يتبادل الإيرانيون هذه الأيام رسالة تهكمية على هواتفهم المحمولة تسخر من الحملة الإعلامية المركزة على ضرورة المشاركة، تضمنت السؤال التالي: "الجمعة: نعم أم لا؟". وفحوى الرسالة هو السخرية من العملية الانتخابية التي تجرى اليوم، فهي شبه محسومة سلفاً، وكل ما يسعى إليه رجال الدولة هو حشد الجماهير لممارسة عملية الإنتخاب وليس إجراء تغير حقيقي في طريقة الحكم. فالنظام الإيراني يعلق أهمية قصوى على مشاركة أكبر عدد من مواطنيه في الانتخابات الرئاسية ويعتبر رفع نسبة المشاركة إلى حدها الأقصى عنصرا أساسيا في الرد على تشكيك الغرب بشرعيته وباتساع قاعدته الشعبية، لدرجة أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي دعا الإيرانيين إلى التصويت، معتبرا انه "تكليف شرعي" من اجل الدفاع عن البلاد ضد "المؤامرات الشريرة" للولايات المتحدة.
وبالرغم من صعوبة التنبؤ بنسبة الإقبال على الانتخابات الرئاسية فإن من الواضح وجود شعور عام بالإحباط خاصة في أوساط الشباب وصغار السن. فالأحلام التي تشكلت بعد الفوز الأسطوري للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، والتي بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية وقتها 80 بالمائة، قد تبخرت خلال الثماني أعوام التي حكم فيها، ولك بسبب العراقيل التي وضعها التيار المحافظ المتشدد في طريق الإصلاح، ولعل آخرها الخطوة التي أقدم عليها مجلس صيانة الدستور، وهي أعلى هيئة دستورية في إيران، والمتمثلة في شطب أسماء 2000 من المرشحين الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية التي عقدت عام 2004، وحرمانهم من الترشيح للبرلمان. وهي الخطوة التي جعلت محاولات خاتمي لتمرير قوانين إصلاحية تتحطم على صخرة النواب المحافظين في البرلمان الإيراني.
لذلك يشكك كثير من المعلقين في قيمة الانتخابات الحالية، إذ أنها لن تغير شيئاً من تركيبة نظام الجمهورية الإيرانية القائم على سلطة رجال الدين المطلقة. غير أن بعض المحللين مثل السيد يوهانس رايسنر من مركز العلوم والسياسة في برلين يحذر من الانسياق وراء الحملة الدعائية الأمريكية التي تظهر إيران منقسمة إلى نظام شرير يسيطر على شعب طيب متشوق إلى تحرره، ويقول: "طريقة التفكير هذه هي إرث فترة الحرب الباردة. فلا أحد يجادل بأن النظام الإيراني يرتكب أفظع الجرائم في مجال حقوق الإنسان، غير أن هناك قطاعات من الشعب، مثل طبقة البرجوازية التجارية، تتواطأ مع النظام الحاكم، من أجل الحفاظ على مصالحها".
نظام لا يتمتع بمصداقية
إضافة إلى الملف النووي المتأزم تنتظر الحكومة الإيرانية الجديدة مهام داخلية معقدة تتعلق بمحاربة البطالة والتضخم المالي. فنسبة التضخم تصل إلى 14,8 بالمائة، أما نسبة العاطلين عن العمل فتقدرها الإحصاءات الرسمية بما قيمته 10 بالمائة، لذلك فإن معظم الإيرانيين من الشباب، والذين يشكلون أكثر من نصف عدد السكان، لا ترى مستقبل لها في وطنها. وفي إحصائية حديثة عبر 44 بالمائة من الشباب الذي سُألوا عن رغبتهم القوية بالسفر إلى خارج إيران، وسمى 40 بالمائة منهم نسبة البطالة المرتفعة سبباً لهذه الرغبة. إضافة إلى هذه المشاكل يتعين على الحكومة الجديدة إيجاد حلول للفساد المالي المتفشي وللتعامل التجاري غير النظامي.
المشكلة الأكبر التي تواجه النظام الإيراني هي فقدانه للمصداقية في أوساط الشباب، وذلك نظراً لعدم إلتفاته إلى المطالب المتكررة من الجمعيات والهيئات المدنية بإجراء إصلاحات جذرية في هيكل النظام. الأمر الذي أدى إلى تهميش قطاعات كبيرة من المجتمع مثل النساء والكتاب والفنانين. ومن المعروف أن السلطة الفعلية في إيران تقع في يد رجال الدين (الملالي)، والمخول إليهم السيطرة على الجهاز الديني والقضائي والحربي للدولة، وذلك عن طريق مؤسسات مثل مجلس الثورة أو مجلس صيانة الدستور. أما المؤسسات المدنية مثل البرلمان ومنصب الرئيس فلا تتمتع سوى بصلاحيات محدودة جداً، وقد بدا ذلك واضحاً في فترة حكم الرئيس محمد خاتمي الذي اصطدمت محاولاته الإصلاحية بعقبة السلطة الدينية المحافظة. حيث اقتصرت صلاحيات الحكومة على تصريف الأمور اليومية وليس اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
عودة رافسنجاني
أقرب المرشحين للفوز في انتخابات اليوم هو على أكبر هاشمي رافسنجاني السياسي المخضرم والرئيس السابق في الفترة من 1989 إلى 1997. ينتمي رافسنجاني إلى التيار المحافظ المعتدل، وعرف عنه حنكته السياسية، وقد وعد في حملته الانتخابية بالتحرك سريعاً لحل الأزمة النووية الإيرانية في حال انتخابه، كما دعا إلى فتح فصل جديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية. ويلقى ترشيح رافسنجاني ترحيباً كبيراً في القطاع الخاص الإيراني ولدى الدبلوماسيين الغربيين الذين يخشون أن يؤدي فوز المحافظين إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في عملية تحرير الاقتصاد الإيراني المتأرجحة.
وفي حالة عدم حدوث مفاجآت كبيرة تبقى حظوظ المرشح الإصلاحي مصطفى معين محدودة، وذلك بالرغم من تعهده بالتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان. يرجع ذلك لتوقع المراقبين عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات لإحساسهم بالإحباط ولا جدوى تكرار تجربة خاتمي مرةً أخرى، لا سيما وانه ظهر جليا لهم من تجربة الأعوام الثمانية الماضية أن خطوط رجال الدين الحمراء لا يمكن تجاوزها بصرف النظر عمن يشغل منصب رئيس الدولة.
إجرائياً ينتظر أن يُعلن عن النتائج بعد يوم من إجراء عملية الاقتراع، أي مساء السبت في 18 حزيران/يونيو. وينص الدستور الإيراني على إجراء جولة ثانية من الانتخابات تقام يوم الجمعة التالي للدورة الأولى، وذلك في حالة عدم حصول أحد المرشحين على أغلبية الأصوات. كما ينص الدستور على أن يتولى مجلس صيانة الدستور مهمة الإشراف على الانتخابات، ومجلس صيانة الدستور هو مجلس غير منتخب يسيطر عليه المحافظون المتشددون ومؤلف من ستة علماء دين يعينهم المرشد الأعلى للجمهورية وستة قانونيين يقترح أسماءهم رئيس السلطة القضائية المعين بدوره من المرشد. ويشمل هذا الإشراف، بحسب القانون، كل المستويات وكل التفاصيل في الانتخابات. وينص القانون الانتخابي على أن في امكان المجلس "في أي لحظة وإزاء احتمال حصول تجاوزات أو تزوير، وقف أو إلغاء الانتخابات، في قطاعات أو مدن محددة أو في كل أنحاء البلاد". ويكون هذا القرار "ملزما ونهائيا".