آمال عريضة ترافق رئاسة ألمانيا الدورية للإتحاد الأوروبي
٢٢ ديسمبر ٢٠٠٦شهد الإتحاد الأوروبي خلال السنوات القليلة المنصرمة جملة من التحديات التي كادت أن تعصف بمستقبل العمل الأوروبي المشترك وان تجمد جهود عشرات السنين من العمل في بناء "البيت الأوروبي". ومن ضمن أهم العقبات التي واجهت مسيرة الإتحاد تراجع حماس المواطن الأوربي تجاه المؤسسة الأوروبية المشتركة وتدهور ثقته بمستقبله، لاسيما بعد توسع الإتحاد شرقا وما حمله ذلك من أعباء. ولعل الرفض الفرنسي والهولندي للدستور الأوروبي قد شكل ضربة قوية للإتحاد أدت إلى تجميد مشروع الدستور، الذي يعد أهم وثيقة على طريق إرساء البناء المؤسسي والقانوني للإتحاد. هذا ناهيك عن الظروف الدولية التي انعكست سلبا على العلاقات بين الأعضاء ونجم عنها انقسامات وتصدعات في العلاقات الأوروبية ـ الأوربية. على هذه الخلفية المعقدة تأتي رئاسة ألمانيا للإتحاد الأوروبي، التي ستبدأ في الأول من يناير/ كانون الثاني، والتي يعول عليها الكثير من أجل إعادة تصويب مسار الإتحاد والدفع به نحو الأمام.
هذا التفاؤل حدا بوزير الخارجية الألمانية فرانك ـ فالتر شتاينماير إلى التحذير من المبالغة في الآمال المعقودة على رئاسة بلاده عندما قال "لن نحقق المعجزات حتى يونيو القادم". وأوضح شتاينماير إلى أن الرئاسة الدورية لا تستطيع بطبيعة الحال، ولا تنوي أيضا ذلك، "إعادة عقارب الساعة إلى الوراء" والبدء من جديد، في إشارة إلى أن الموروث المتراكم من المشكلات ليس بقدرة الرئاسة الألمانية ولا أي رئاسة أخرى التغلب عليها بعصا سحرية. وكشف شتاينماير عن الإتحاد الأوروبي يعيش أزمة لكن الكثيرين لا يجدون الشجاعة الكافية لمواجهة المهام الجديدة التي جلبتها العولمة، حسب تعبيره. لكنه استدرك قائلا "أنا على ثقة بأننا لدينا الفرصة والواجب لاستعادة بعض من الثقة التي فُقدت في السنوات الماضية"، مؤكدا أن بلاده ستعمل على تقديم مشروع لإحياء فكرة الدستور الأوروبي من جديد.
الآمال المعقودة على برلين داخل الإتحاد الأوربي
ففرنسا مثلا، وهي الدولة ذات الثقل الكبير في أوروبا، تعيش حاليا مرحلة الانتخابات الرئاسية مما يعني عدم توقع دور كبير من باريس حتى ينتخب الفرنسيون رئيسهم الجديد. هذا الأمر سيفقد انجيلا ميركل دعم الأصدقاء في باريس من ناحية، ومن ناحية أخرى ستبقى "لا" الفرنسية للدستور الأوروبي ماثلة أمام أي فكرة لإحياء فكرة الدستور الأوربي على الأقل حتى يتضح الأمر في قصر الاليزيه. من ناحيتها تتوقع بريطانيا من الرئاسة الألمانية وضع موضوع حماية البيئة والمناخ ضمن اولوياتها. في هذا السياق أعرب كل من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والمستشارة ألألمانية انجيلا ميركل عقب زيارة الأخيرة لبريطانيا الشهر الماضي عن اتفاقهما في وجهات النظر بأن موضوع البيئة يمثل احد التحديات في المستقبل القريب. وعبر بلير عن أمله بأن تعمل الرئاسة الألمانية للإتحاد الأوروبي ولمجموعة الدول الصناعية الثمان، على المساهمة في الدفع بمعاهدة كيوتو الى الإمام. عدا ذلك فأن بلير يريد من أوربا تركه وحاله لاسيما وانه على وشك الخروج من الحياة السياسية. اما بولندا فإنها، كما جاء على لسان رئيسها ليش كاتشينسكي، تتطلع بالدرجة الأولى الى "نقاش عقلاني حول المستقبل الأوروبي"، ومواصلة توسيع الإتحاد الأوروبي. وينبغي على الرئاسة الألمانية ان تأخذ هذه القضية على مجمل الجد، حسب تعبير الرئيس البولندي، الذي أضاف بأن النقاش حول الدستور الأوروبي ينبغي ان يكون واضحا ويراعي ويستوعب وجهات النظر الأخرى. وتعد بولندا ضمن الدول الأوروبية الأعضاء التي ترغب في تضمين الديانة المسيحية في الدستور الأوروبي.
واشنطن تأمل من ميركل تفعيل العلاقات عبر الأطلسي
أما الولايات المتحدة الأمريكية فتعلق أمالا كبيرة على الرئاسة الألمانية في إحياء العلاقات بينها وبين الإتحاد الأوروبي، لاسيما وان واشنطن تنظر للمستشارة ميركل على أنها القائد الأوربي الأقوى في "القارة العجوز" في الوقت الحالي، بعد ان يخرج توني بلير وجاك شيراك من الحياة السياسية وخسارة برلسكوني الانتخابات في ايطاليا. وتعول الإدارة الأمريكية على العلاقات التقليدية والشخصية بين برلين وواشنطن متوقعة ان تكون العلاقات امتن من تلك التي كانت مع الرئاسة الفنلندية. الموضوعات الرئيسية المهمة لواشنطن هي إلى جانب العلاقات التجارية، أيضا التعاون الدبلوماسي في مسائل مثل البلقان والشرق الأوسط وأفغانستان وكذا سياسة الطاقة. وان كانت واشنطن تعترف بان أوروبا بسبب تبعيتها الطاقة الروسية تحاول عدم اتخاذ موقف من روسيا كما تتمنى واشنطن.
تركيا بين متفائل ومتخوف
مزيج من الآمال والمخاوف لدى انقره من الرئاسة الألمانية. فمن ناحية تعول انقره على علاقات الشراكة التقليدية بين تركيا وألمانيا وعلى التزام الائتلاف الحاكم بوثيقة الاتفاق التي تنص على عدم عرقلة مفاوضات انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، رغم شكوك الحزبين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي. وقد قوبل إعلان شتاينماير بالبدء في يناير القادم في محادثات حول تخفيف الحصار الأوروبي على القسم التركي من قبرص بتفاؤل. من ناحية أخرى هناك مخاوف تركية من ان تستغل ميركل فرصة رئاسة بلادها للإتحاد الاوروبي لفرض نموذجها المتمثل في" الشراكة المميزة" مع تركيا بدلا من العضوية الكاملة في الإتحاد الأوروبي.
تحديات الوضع في المنطقة العربية
تضاعف في السنوات القلية الماضية الاهتمام الألماني بمنطقة الشرق الأوسط وقضايا الحرب والسلام والتنمية فيه. وينظر ألى ألمانيا عموما على أنها الأكثر قبولا من قبل الأطراف المختلفة في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى، نظرا لعدم وجود تاريخ استعماري لها في المنطقة ومحاولتها لعب دور الوسيط المحايد. وتعلق الآمال في المنطقة على رئاسة ألمانيا للإتحاد الأوروبي في إعادة إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل عن طريق إحياء اللجنة الرباعية التي تعتبرها برلين الأداة التي لا يمكن تصور سلام بدونها. وقد اعتبر وزير الخارجية الألمانية أن أصعب المهام الخارجية التي تنتظر رئاسة بلاده هي في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الوضع الداخلي المتأزم في كل من لبنان والمناطق الفلسطينية يشكلان أهم هذه التحديات أمام الاتحاد. وأوضح بأن رئاسة بلاده للإتحاد ستعمل على ترتيب لقاءت مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل وتوسيع وقف إطلاق النار والعمل مع اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط. وكشف الوزير الألماني انه ناقش هذه الأمور مع الدول المعنية أثناء زيارته لدول المنطقة ولكل من واشنطن وموسكو.