هل يهدد ذكاء الحاسوب إبداع الكاتب الآدمي؟
اعتبر الفيلسوف اليوناني أفلاطون الكتابة نوعاً من الإيحاء أو الإلهام الإلهي، فالإله الأعظم شخصياً، وبكل ما يملك من جبروت وعظمة، يهمس في أذن الكاتب و"يرشده" إلى طريق الكتابة القويم. ولكن ماذا تعني هذه الكلمات إذا حل الكمبيوتر محل الإلهام الإلهي؟ إنها تعنى بلا شك، وفق منطق ورؤية أفلاطون، أن إله الكون الجديد هو حاسوب المستقبل!
أهلاً بكم في عصر الكتابة الإلكترونية
كل من يمارس مهنة الكتابة أو يكتب يومياً باستخدام الكمبيوتر الشخصي يعرف قيمة برامج الكتابة المثبتة في كل حاسوب شخصي تقريباً حق المعرفة، لأنها تسهل الكتابة وتساعدنا في تجنب الأخطاء الإملائية وعلى توسيع ثروتنا اللغوية. ولكن التطور الجديد من نوعه في هذا المجال يظهر جلياً من خلال القدرات الجديدة لبرامج كتابة قائمة على تقنية الذكاء الصناعي. فهذه البرامج لا تكتفي بإعطاء الكاتب الآدمي مجرد الاقتراحات من أجل مساعدته في تحسين جودة نصوصه، بل تقوم بنفسها بصياغة نصوص جديدة، من دون مشاركة أو استشارة العقل البشري كما جرت عليه العادة حتى اليوم!
ذكاء اصطناعي بلا "حس لغوي"
تستخدم برامج الكتابة الإلكترونية الجديدة بنوك بيانات كبيرة جداً تحتوي على ملايين النصوص والتعبيرات من شتى مجالات الحياة. ويكمن مصدر قوتها في قدرتها على العمل المنظم وفق نظام معين ومنهجية واضحة قائمة على منطق رياضي لا لبس في صحته. وما يثير دهشة وفضول المهتم بالتطورات الجديدة في حقل الكمبيوتر وتقنية المعلومات والكاتب على حد السواء هو أن التكهنات بقدرة هذه البرامج على "الكتابة الأدبية". وفي هذا الخصوص يفترض أخصائيو تطوير برامج الكتابة الإلكترونية أنها قادرة على اختيار أفضل سيروة وقائع رواية ما، على سبيل المثال. فعلى النقيض من الكاتب الذي يعتمد على خبراته وشعوره عند اختياره لأحداث الرواية، يستطيع الحاسوب اختيار أفضل سيرورة وقائع من عدة خيارت متوفر في بنك البيانات الخاص به.
حقاً، لقد استطاع "ديب بلو"، ذلك الكمبيوتر الذي يلعب الشطرنج، هزيمة بطل العالم السابق غاري كاسباروف، لأنه يملك ذكاءاً عقلانياً بحتاً، كما أنه استطاع التعلم من أخطائه كالإنسان. وعلى الرغم من انتصار الذكاء الاصطناعي في هذه الجولة، إلا أن خبراء علم تقنية المعلومات يبدون شكوكاً كبيرة في قدرته الحقيقية على منافسة الذكاء البشري. كما أنهم لا يتوقعون أن تستطيع آلات الكتابة الإلكترونية أن "تتعلم" ماهية الحس اللغوي، خاصة وأنه لا تتوفر طريقة عملية لتعليمها ذكاء الخبرات والعواطف في القريب العاجل ـ لحسن الحظ!
لؤي المدهون