الطب في عصر الإنترنت: عندما يُغرق المريضُ الطبيبَ بالمعلومات
يعتبر التطور سريع الوتيرة في مجال التقنية الطبية سلاحاً ذي حدين، فهو يمثل، من ناحية، نعمة لكل المرضى الذين ينتظرون بصبر كبير علاجاً فعالاً للأمراض التي يعانون منها منذ فترة طويلة، ومن ناحية أخرى فهو يضع الأطباء أمام عدة تحديات أبرزها اتساع الهوة بين ما ينتظره المرضى من أساليب العلاج الجديدة اليوم وبين ما يستطيع أن يقدمه لهم الطبيب المعالج في الواقع. كما أن عدد المرضى الذين يحيطون علماً بطبيعة أمراضهم وسبل علاجها يزداد بشكل متواصل، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى استخدام الكثير منهم لإمكانيات البحث والاستعلام التي تقدمها شبكة الإنترنت. وقد بينت احدى الدراسات التي أجرتها جامعة همبولت في برلين على 360 مريضا أن حوالي 25% منهم لا يذهب الى الطبيب الا بعد قيامه باجراء بحث واستقصاء دقيق عن حالته في الانترنت. واعتبر نصف المرضى أن الطبيب يحسن التعامل مع المعلومات التي يحضرها المرضى معهم بينما يرى 25% آخرون أن ليس بمقدورهم الاستفادة من المعلومات المتخصصة وعالية التعقيد عن حالتهم وانه يفضلون ترك الامر لطبيبهم.
خطر الغرق في بحر المعلومات الطبية
ناقش المشاركون في المؤتمر السنوي للأطباء الباطنيين الذي عقد هذا العام في مدينة فسيبادن هذه الإشكالية الحيوية التي تتعلق بجودة العلاج المقدم للمرضي بشكل مكثف، كما شارك الكثير منهم في دورات لتعلم التعاطي السليم معها. وعلى سبيل المثال يضع "ميدلاين"، أكبر بنك للمعلومات الطبية، أكثر من خمسة ملايين مقالة تخصصية تحت تصرف الأطباء، ناهيك عن الـ800 مقالة التي تُضاف يومياً إليها. وينبه الطبيب العامل في المستشفى الجامعي في ميونيخ مارتين فيشر إلى أنه "لا يمكن التعاطي الفعال مع فيضان المعلومات بواسطة طرق القراءة المعتادة"، ويشير في هذا السياق إلى مقولة ناشر مجلة British Medical Journal الطبية الشهيرة بأن عدد الأطباء الذين يتابعون نتائج البحث العلمي الجديدة لا يتجاوز نسبة 1%، كما أن كل المحاولات التي تهدف إلى إعداد الأطباء مهنياً للتعاطي الفعال مع فيضان من المعلومات الغزيرة وتوظيفها في تحسين مستوى العلاج لم تحقق النجاح المطلوب حتى الآن.
صعوبة مسايرة التقدم العلمي
ومن أجل الوصول إلى حل قابل للتطبيق عملياً تقوم دور النشر الطبية المختصة باختصار المقالات ونتائج الدراسات الطبية. وعلى الرغم من أن ذلك يوفر وقت الطبيب الثمين، إلا أن الصعوبة الحقيقية تكمن في تحويل هذه المقالات ذات الطابع النظري المطول غالباً إلى إرشادات عملية للطبيب المعالج تساعده في رفع المستوى العلاجي في العيادات والمستشفيات. ويأتي النظام الأمريكي عن المعلومات الطبية الذي يحمل اسم "مسايرة التقدم العلمي" ليحاول تنقيح هذا الكم الضخم من المقالات التخصصية وتوظيفه لصياغة إرشادات عملية واضحة تشرح للطبيب العامل أحدث ما توصلت إليه الدراسات الطبية. وعلاوة على ذلك فإن هذا المرجع الفريد من نوعه يظهر لكثير من الأطباء "كيفية التوصل إلى تشخيص سريع للأمراض الصعبة" على حد قول الطبيبن، إدوارد شتانغه من مستشفى روبرت بوش في مدينة شتوتغارت، ويورغن شيفر من المستشفى الجامعي في مدينة ماربورغ.
وفي غضون ذلك تنصح الجمعية الألمانية للأطباء الباطنيين في ألمانيا أعضائها باستخدام هذا المصدر المعلوماتي الجاد. وعلى الرغم من المخاوف المبررة لعدد من الأطباء من إمكانية احتكار هذا المرجع لمصادر المعلومات الطبية يوماً ما، إلا أن هذه الهواجس تبقي مجرد ملاحظات استطرادية لا تصيب جوهر هذه الإشكالية، وخصوصاً بعد أن أعلن المسئولون عنه استغنائهم التام عن كل الدعاية التسويقية له.