هل ستقوم ثورة الياسمين في مصر؟
١٩ يناير ٢٠١١أدهم الصفتي (شاعر ومدون 33 سنة) يشير في حديثه ل دويتشه فيله إلى دور المدونين في التعريف بما يجري في تونس، لقد شاهد عبر أصدقائه صور البوعزيزي بعد ساعات من حرق نفسه، "لكن تزامن الأحداث مع اشتعال أزمة تفجيرات الإسكندرية شغله قليلا"، خاصة و أنه لم يتوقع "أن تصل الأحداث إلى خلع الرئيس التونسي"، لكن رسائل استغاثات من المدونين التونسيين بالمدونين المصريين، تطلب دعمهم وتسأل عن موقف المصريين، أفاقت المصريين من مصاب الإسكندرية، خاصة وأن 30 ألف مدون مصري سبق لهم المشاركة في حملة "التدوينة البيضاء" ضد حجب الإنترنت في تونس. وسرعان ما تم إنشاء 15 مدونة تتابع ما يجري هناك.
يرتبط أدهم بصداقات افتراضية مع شباب ذوي توجهات يسارية، لذا خرج مع زوجته فور هروب بن علي، وشارك في تظاهرة أمام سفارة تونس، ورغم أن العدد كان قليلا جدا تلك الليلة، إلا أنه، كما يقول، "يعول كثيرا على غير المسيسين" كما حدث في تونس، بل يصدق ما يقوله بعض المدونيين من أن القوى الوحيدة القادرة على مواجهة الأمن المصري هم االمشجعون المتطرفون لأندية الأهلي والزمالك، فهؤلاء، على حد تعبيره، هم وحدهم القادرون على إلقاء قنابل المولوتوف على عناصر الأمن. ويرى أدهم أن حركات التغيير من "الأفندية" هي التي تفسد الآن الحراك السياسي في مصر.
"خوف من تأثير فوضى تونس على مصر"
لكن يارا شاهين (باحثة وناشطة في مجال التنمية 30 عاما) فلها رأي آخر، وهي تصف حملات التضامن على الفيس بوك ب "هتاف العاجزين"، وعلى الرغم من تقديرها لدور نشطائه فإنها ترى أن غالبيتهم "أشخاص يعوضون بالعالم الافتراضي ضحالة الواقع السياسي". وفي حديثها ل دويتشه فيله أشارت يارا إلى ما اعتبرته "تنويعا هزليا لتلك النقاشات"، وقالت إن صديقة لها وضعت كلمة"تونس" في "خانة الحالة" على الفيس بوك، فما كان من أقرب صديقاتها إلا أن علقت "هوا أنت مسافرة سياحة؟" ، بينما لم يتجاوز الاهتمام الحقيقي، حسب رأيها، بعض الباحثين السياسيين.
وتعمل يارا في مشروع بمنطقة الزبالين بمنشية ناصر، وتتعامل مع شباب من الفقراء المسيحيين الذين خرجوا أثناء أحداث تونس ليقطعوا طريق الأوتوستراد، اعتراضا على مقتل أقباط في قطار المنيا، هؤلاء الشباب في عز أحداث تونس يخافون من مقاطعة المسلمين لهم، وينصحونها، وهي المسلمة، أن ترتدي الحجاب، خوفا عليها من إطلاق نار عشوائي. أما زملاؤها في العمل التنموي بالإسكندرية والذين تتابعهم على الفيس بوك، فقد أبدوا، كما تقول، تخوفا من تأثير الفوضى التي واكبت أحداث تونس على مصر، من عمليات نهب وسرقات وقتل، وتضيف أنهم شاهدوا الأمر من هذا المنظار و" أبدوا انزعاجهم وخوفهم من هذا المصير."
يارا التي أملت وراهنت على حادثة الشاب المصري خالد سعيد الذي مات تحت تعذيب الأمن قبل عام، تجد أن التركيبة الاجتماعية والديموغرافية لـ 80 مليون مصري، تحتوي على مؤشرات غير مطمئنة إلى إمكانية الاستفادة من "الدرس التونسي"، فهذه التركيبة، كما تضيف، تعاني من تعقيد البنية الاجتماعية، وما أفسده النظام في روح جماهير الفقراء، وغموض موقف الطبقة الوسطى الأكثر فسادا، لكن يارا لم تبرأ بعد مما تصفه " أمل لا شفاء منه".
" الناس لا تدرك الرابط بين تونس ومصر"
من ناحية أخرى تربط إلهام عيداروس (مترجمة 30 عاما) بين ما حدث في تونس وآمال وطموحات الحركات السياسية المصرية منذ عام 2000، فالعصيان المدني الذي بشرت به حركات مثلا كفاية ثم الوطنية للتغير عبر تبني أسلوب " المظاهرة المليونية"، تحقق في تونس، لكنها تحذر من "غواية " ذلك الطرح، فقد فشلت تلك الحركات في تنظيم مظاهرة من عدة آلاف، بل وأدى "ركوبها" لحركة عمال المحلة في 6 أبريل 2006 إلى ضرر بالغ للطرفين، وتذكر أن مظاهرة التضامن مع الشعب التونسي التي نظمت في بداية الأحداث في شبرا والتي تداخلت مع تظاهرة لدعم الأقباط في الإسكندرية وجدت اندهاشا من الناس العاديين، وكما تقول في حديثها مع دويتشه فيله، تساءل الناس العاديون: " إحنا ناقصين تونس وزفت، ما ياما تظاهرنا عشان الفلسطينيين"، فالناس غير مهتمين ولا يدركون الرابط بين تونس ومصر، ولا بين ما يحدث في الإسكندرية وما يحدث في تونس.
وتلفت إلهام إلى تباينات ضخمة بين مصر وتونس، يتمثل أولها في وجود أحزاب شرعية ومؤسسات كانت فاعلة في الحد الأدنى وتبنت لاحقا التظاهرات التونسية. أما في مصر فلا أحزاب ولا اتحاد عمال قوي، ولا معارضة زاعقة من الخارج، ولا مجتمع مدني حقوقي داخلي صادم للنظام، ورغم أن العشرات في مصر انتحروا جراء الظروف الاقتصادية، وأشعل متظاهرون قبل أيام قسم شرطة، ويقطع مواطنون الطريق الدولي كل أسبوع في احتجاجات مطلبية، إلا أن هذا، كما تقول إلهام، لم يثمر عن أي نتائج، وهي تجد أن الأمر التونسي بمجمله "يدعو للتفاؤل دون الإفراط فيه أو التقليل من شأنه."
"إلهام التونسيين سيؤثر على مصر عاجلا أم آجلا"
ويفرق طارق أبو العلا (مخرج وناشط سياسي 40 سنة) بين اهتمام المسيسين في المنتديات الاجتماعية بالأحداث التونسية، وبين اهتمام الناس العاديين في نفس المنتديات بها، وأشار في حديثه مع دويتشه فيله إلى أن الجدل اتخذ اتجاهات متعددة، إلى درجة أن البعض بدأوا يتجادلون حول ما إذا كان انتحار محمد بوعزيزي يعتبر كفرا بالله. ويقول طارق إنه غير متفائل بدعوة الناشطين لاعتبار يوم عيد الشرطة في 25 فبراير يوما للغضب الشعبي على خلفية أحداث تونس، إلا أنه يريد المشاركة كي يعرف أثر ثورة الياسمين على مشاركة الناس. وعلى الرغم من إجراءات الحكومة المصرية الأخيرة الهادفة إلى تهدئة الأجواء، لا تزال الطريق في نظر طارق أبوالعلا طويلة" في مجتمع يتحكم فيه الإعلام والقنوات الفضائية وينتظر أبناؤه أن يضحي الآخرون بدلا منهم".
ويجد طارق أن حادثة خالد سعيد في مصر كانت أكثر قسوة من حرق بوعزيزي لنفسه، لكن "سرعان ما انتهي أمره بصفحة على الفيس بوك"، وهو ينتظر ما ستؤول إليه الثورة التونسية، رافضا أن يُستبدل بن علي بنفس الطبقة السياسية، فأحمد عز ،أمين السياسيات في الحزب الحاكم، أو أحمد نظيف، رئيس الوزراء المصري، هم أبناء نفس الطبقة السياسية ولا يختلفون في نظر طارق عن الرئيس مبارك. ويأمل طارق أبو العلا أن يمضي الشعب التونسي في ثورته، "لأن إلهامه سيؤثر على مستقبل مصر إن عاجلا أم آجلا."
هاني درويش/القاهرة
مراجعة: منى صالح