"ما حدث في تونس يمثل رسالة تحذير إلى كل الحكام العرب"
١٥ يناير ٢٠١١إن ما حدث في تونس يعد حدثاً تاريخياً ورسالة قوية إلى العالم العربي بأكمله. فهو يوضح بأن الشعوب قادرة على الانتفاض بنجاح ضد الأنظمة الاستبدادية والفاسدة وأنه يمكن إجراء "تغيير الأنظمة" بالإمكانيات الذاتية بدون تدخل عسكري من الداخل أو من الخارج، وحتى بدون قيادة من قبل المعارضة السياسية أو ممثلي المجتمع المدني.
سادت في المدونات ومنتديات الإنترنت العربية موجة من الإعجاب بالشباب التونسي والتعاطف معه، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديداً للحكام في المنطقة. إذ أن غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد والبطالة بين الشباب من الأمور المتفشية بشكل كبير في كل أرجاء هذه المنطقة، كما أن القمع السياسي يكاد أن يكون من الأمور المعتادة في الكثير من بلدانها. يضاف إلى ذلك حالة الغضب والإحباط من انعدام الفرص وضيق أفق الحياة والشعور العميق بالمهانة الشخصية. وكل هذه الأمور تشكل توليفة قابلة للانفجار في منطقة تعاني أصلاً من النزاعات وعدم الاستقرار.
إن أحداث تونس ليست مجرد حالة معزولة، فالكثير من المجتمعات العربية تغلي في داخلها على الأقل. وفي كل مكان في العالم العربي تقريباً تبدو شريحة الشباب بالذات، والتي تشكل الغالبية العظمى من السكان، على أهبة الاستعداد للخروج في احتجاجات اجتماعية صاخبة. وقد شهدت الجزائر والأردن بالفعل خلال هذه الأيام مظاهرات غاضبة. وفي مصر تندلع من وقت لأخر مظاهرات بشكل منتظم. ومن الممكن أن تلحق بعض البلدان الأخرى بالركب.
لكن ليس من السهل التحكم بهذه الديناميكة، فثورة الشباب التونسي قادت إلى الإطاحة بحاكم مستبد ـ وهذا انجاز ايجابي لا خلاف عليه، لكن ذلك كلف سقوط ضحايا أيضاً، ناهيك عن أن لا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين ستقود تطورات الأحداث. ففي أحسن الأحوال يمكن أن تصبح تونس بالفعل نموذجاً لدولة ديمقراطية يحتذي به في المنطقة، لكن في أسوأها قد تسود فوضى جديدة وسفك الدماء إضافية أيضاً.
إن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل الفاعلين الأساسيين التونسيين تتجاوز بلدهم من الناحية الرمزية. إن القوى المتبقية من النظام السابق، والمعارضة والمجتمع المدني وكذلك "الشارع"، على كل هؤلاء واجب المساهمة في الانتقال الشفاف والمنظم للسلطة في الوقت ذاته. يجب أن يكون ملموساً أن النظام السابق قد سلَم السلطة بالفعل وأفسح المجال للحرية والتعددية والمزيد العدالة الاجتماعية، لكن يجب أيضاً أن ينتهي العنف في الشوارع وبأسرع وقت ممكن.
أما بالنسبة لأوروبا، باعتبارها جارة لمنطقة المغرب العربي وللعالم العربي، فإنه ينبغي عليها أيضاً أن تتعلم درساً مما حدث في تونس. والجانب الأهم في ذلك هو: لا ينبغي أن نغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان أو ـ كما حدث في حالة مصر مؤخراًـ عن التلاعب السافر بالانتخابات، من قبل الحكام الذين يقيمون علاقات تعاون سياسية واقتصادية وثيقة بالاتحاد الأوروبي. وما تونس سوى مجرد مثال على أن الأنظمة الاستبدادية لا تضمن سوى استقرار زائف.
تعليق: راينر زوليش
مراجعة: عماد مبارك غانم