الفنانون التونسيون ـ جزء من النظام البائد أم من ديناميكية الثورة؟
١٨ يناير ٢٠١١لم يكن عديد من الفنانين التونسيين بعيدين عن أحداث "ثورة الياسمين"، بل كانوا جزءاً من الحركة الشعبية التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي. فقبل أيام معدودة من هروب الرئيس التونسي المخلوع تجمعت مجموعة من الفنانين التونسيين أمام المسرح البلدي بتونس في الحادي عشر من يناير / كانون الثاني منددة باستعمال العنف ضد المتظاهرين في مختلف أنحاء البلاد، غير أن رجال الأمن فرقوا هذا التجمع السلمي. كان ذلك هو أول تحرك للفنانين التونسيين منذ انطلاق الاحتجاجات في منطقة سيدي بوزيد إثر إقدام الشاب البوعزيزي على إضرام النار في نفسه، غير أنه لم يكن الأخير.
عن ذلك يقول الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان في حديث مع دويتشه فيله إن "كل فئات المجتمع ساهمت في ثورة الكرامة، ثورة الشعب التونسي البطل العظيم"، لاسيما في التظاهرة العظيمة في تونس العاصمة التي "هبّت يوم هروب بن علي إلى السعودية" وهي التظاهرة التي شارك فيها الفنان بن يغلان أيضاً. الفنانون هم إذاً، يؤكد بن يغلان، جزءٌ لا يتجزأ من الديناميكية التي تحرك المجتمع التونسي، وهم متلاحمون مع الشعب التونسي.
ويذكر بن يغلان لـ دويتشه فيله أنه قدم في نفس فترة الأحداث مسرحية "حارق يتمنى"، وكان العرض الأخير لها يوم 7 ديسمبر / كانون الأول، وهي مسرحية تعرض لمشاكل القمع والبطالة التي يتعرض إليها الشعب التونسي لاسيما الشباب. ويضيف بن يغلان: "لقد أعطانا شعبنا درساً كبيراً"، يقول بن يغلان، ويضيف: "هذا الدرس هو: علينا ألا نصمت بعد اليوم، أو كما قالت الهتافات: عبّر عبّر! اليوم لم تعد هناك رقابة تمنعنا عن التعبير".
هند صبري: خنتُ الدستور
ولكن ألم يكن كثيرون من الفنانين، والمثقفين عموماً، جزءاً من النظام السابق للرئيس الهارب بن علي؟ ألم تناشد وقبل شهور عشرات الشخصيات التونسية، بينها فنانون وصحافيون، بن علي لكي يترشح لولاية رئاسية سادسة بعد أربعة أعوام؟
"هذه حقيقة"، يقول الفنان رؤوف بن يغلان ويضيف أن "أمراً جاءه ليوقع على تلك القائمة"، غير أنه رفض، ولم يبق في تونس كي لا يُفرض عليه التوقيع. ويؤكد بن يغلان أن التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم) كان يفرض على المفكرين والمثقفين والفنانين أن يوقعوا على تلك العريضة لمناشدة بن علي الترشح مجدداً.
الأمر ذاته حدث مع الفنانة التونسية هند صبري التي كتبت على صفحتها في الفيس بوك رسالة بالفرنسية والعربية تؤكد فيها إنها شخصيا تعرضت للترهيب من "الطرابلسية" عائلة زوجة الرئيس، وأن بلحسن الطرابلسي اتصل بها هاتفيا ليعلمها بأنه وضع اسمها على قائمة تناشد بن علي الترشح لفترة رئاسة خامسة، وأنه ليس من حقها الاعتراض على ذلك.
وقالت صبري لوكالة الأنباء الألمانية إن الخوف استولى عليها وأنها اتصلت به في وقت لاحق قائلة: "لا أريد أن يُساء فهمي، لكني أود البقاء بعيدا عن ذلك وأعتقد جازمة أن الفنان يجب أن يظل محايداً فأنا لا أمارس السياسة" فقطع حديثها وقال: "أولا فات الأوان وإلى جانب ذلك ماذا يعني أن تبقى محايدة". وتضيف الفنانة: "أشعر بخيبة أمل لأنني كنت جبانة فلم أقل لا.. أنا ضد ولاية خامسة.. كفى .. ففي ذلك اليوم فقدت احترامي لنفسي كفنانة باعتباري امرأة قانون خانت الدستور"
وحول عريضة المناشدة هذه قال الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق في حديث سابق لقناة الجزيرة: "لا تحاسبوني إلا على الكلام الذي قلته بلساني، ولم أوقع أبدا على شيء ... وإنما فعلها أحد مسئولي وزارة الداخلية". وأضاف بوشناق: "جميعنا أُجبر على هذا حتى الأئمة على المنابر أُجبروا على الدعوة لبن علي، ولم يكن أحد يستطيع أن يرفض، أو يعترض".
سمير جريس
مرجعة: عبده جميل المخلافي