بالموبايل والفيسبوك والراب – الشباب التونسي يسمع العالم صوته المحتج
١٣ يناير ٢٠١١كالنار في الهشيم تناقلت وسائل الإعلام العالمية والعربية، وعلى رأسها قناة الجزيرة الفضائية، صورا ومشاهد عن الاحتجاجات، التي اندلعت في تونس قبل أربعة أسابيع، وذلك بفترة طويلة قبل أن يُسلط عليها الضوء من قبل الإعلام التونسي الخاص. ولكن لولا المحتجين التونسيين، وغالبيتهم من الشباب، الذي يطالب بـ"فرص شغل"، والذين سجلوا الوقائع بأجهزة الهواتف النقالة ونشروها على مواقع في الانترنت، لما "وصل صوتهم بذلك الوضوح إلى ملايين الآذان في العالم، وفي تونس أيضا"، وفق ما كتب أحد المعلقين في مدونة "نواة تونس" الالكترونية.
مدونات تونسية - منصة للاحتجاج
وفي مدونة "نواة تونس"، وهي مدونة تونسية "جماعية مستقلة"، "تعطي الكلمة لكل من يأخذها ويحملها وينشرها من المواطنين، الذين يدافعون عن قضية تشغل الحياة اليومية لجميع أبناء بلدنا" وفق ما جاء على موقعها الالكتروني. المدونة، التي يبدو أنها قد حرصت على جمع المقالات المنشورة على مواقع صحف عالمية وعربية ومحلية والمتعلقة بتونس، شكلت منصة لتعاليق مستخدمين، يبدو عليهم تارة الغضب مما وصف بأنه "رد فعل عنيفة للشرطة التونسية في التعامل مع المظاهرات"، وتارة استنكار لأنباء مفادها أن "شبانا قد كسروا وحرقوا ممتلكات خاصة وبعض المؤسسات العمومية و بعض المكاتب التابعة للحزب الحاكم"، وصفت بأنها تعبر عن "تصرف غير مسئول". وفي سياق متصل كتب أحدهم باللغة الفرنسية قائلا: "هذه التصرفات مشينة للغاية، بل تظهر همجية وانزلاقا واضحا عن أهدافنا. الدفاع عن قضية ما أمر يتنافى تماما مع تخريب البنية التحتية للبلاد."
فيما فضل آخرون التعبير عن حزنهم لما يحدث في بلادهم ولما وُصف بأنه "تضييق من أجهزة الأمن" عليهم، حيث كتب أحد المعلقين شعرا باللغة الفرنسية: "في سجونك، بلادي، يقبع مجرمون ولصوص، ولكن أيضا مفكرون أحرار وأبناؤك، الذين تحدوا قانون الخوف".
ولكن يبدو أن الحزن والاستنكار هو المهيمن على غالبية تعليقات الشباب، فعلى سبيل المثال كتب أحدهم: "إلى سيادة المفتي: شنوّا (ما هو) حكم قتل طفل – 13 ربيعا – برصاصة في الرأس على يد الشرطة؟". كما يقرأ المرء تعليقات أخرى تصور المظاهرات الاحتجاجية بأنها "صرخة آلام" الشباب التونسي. وطغى على البعض منها الطابع الإخباري، على غرار أحد المستخدمين، التي اُتخذ من "سيدي بوزيد" اسما مستعارا له، مدليا بآخر التطورات الميدانية في المدينة، التي كانت اندلعت فيها قبل أربعة أسابيع شرارة الاحتجاجات. واختار آخرون التعبير عن احتجاجاتهم من خلال "رسائل" رمزية، على غرار صورة لطلبة تونسيين كتبوا كلمة "لا للقتل"، من خلال الجلوس جنبا إلى جنب في فناء أحد جامعات العاصمة تونس.
فيسبوك - نافذة المحتجين التونسيين على العالم
وفي الوقت الذي يتحدث صحافيون ومحتجون في تونس عن "حجب المواقع الالكترونية"، ومنها المدونات الشخصية، تحولت شبكة التواصل الاجتماعية "فيسبوك" إلى منصة للمحتجين لتحميل صور ومقاطع فيديو وشهادات من المناطق، التي طالتها الاحتجاجات. وفي مقابلة مع دويتشه فيله يصف بلقاسم س. (25 عاما) من مدينة تالة، التي شهدت خلال الأيام الأخيرة أحداثا دامية، كيف تحول المحتجون إلى مراسلين ينقلون الأحداث، ويقول: "أنا عندي هاتف نقال مزود بكاميرا أستخدمه لتصوير الأحداث، ثم أحمّلها على موقع فيسبوك." ويضيف: "آخذ صور من الشارع وأسجل الاحتجاجات وكذلك شهادات حية من المواطنين وأنقلها بعد ذلك إلى الانترنت، وخاصة على موقع فيسبوك".
ويشير الشاب التونسي إلى أنه ورغم الحجب المفروض على بعض المواقع الأخرى، على غرار موقع يوتيوب ودايلي موشن، ورغم ما يصفه ب"محاولات تعطيل شبكة الانترنت في تالة لفترة مؤقتة"، تمكن هو وغيره من المحتجين الشباب تجاوز ما يوصف بـ"التعتيم الإعلامي المفروض في البلاد". ويقول بلقاسم س.: "وكذلك الاتصال مع وكالات الأنباء العالمية مكننا من كسر العزلة المسلطة علينا."
صور لقتلى وجرحى عبر فيسبوك
ويبدو أن المحتجين في القصرين وسيدي بوزيد والرقاب وتالة قد تمكنوا من إيصال أصواتهم إلى شتى أنحاء العالم، خاصة بعد أن بدأت قنوات عالمية على غرار قناة الجزيرة الفضائية في بث تسجيلاتهم التي قاموا بها بأجهزة الهواتف الجوال وإعطائهم منبرا للتعبير عن مطالبهم وتسجيل شهاداتهم حول ما يصفونه بـ"التعامل العنيف لأجهزة الأمن" معهم، خاصة بعد سقوط عشرات القتلى في صفوفهم، الأمر الذي تصفه السلطات التونسية بأنه "جاء في إطار الدفاع المشروع لرجال الأمن عن أنفسهم".
ولكن عملية نشر الصور ومقاطع الفيديو على موقع فيسبوك لا تخضع لأي معايير أو عملية "غربلة" أو مراقبة، حيث نرى صورا لقتلى وآثار الرصاص الذي اخترق أجسادهم. كما نرى في أحد مقاطع الفيديو، التي لا يُعرف أين صُورت بالتحديد ولكن يبدو أنها في مناطق في الوسط الغربي، أي في ولاية القصرين أو سيدي بوزيد، استنادا إلى اللهجات المسموعة في المقطع، - نرى - صورا لجثث في أحد المستشفيات الصغيرة ومحاولات الطاقم الطبي إنقاذ أحد الجرحى ونرى امرأة قد أغمي عليها ونسمع صراخا ونحيبا، ولكننا نرى أيضا كيف أن شبانا وبناتا يصورون بهواتفهم النقالة القتلى ويظهرون وجوههم وآثار الرصاص، في الصدر والعنق والرأس. هي مشاهد مريعة ولا تظهر على أي شاشة تلفزيون، ولكن يبدو أن المحتجين يريدون إثبات ما يتحدثون عنه من تعرضهم لإطلاق الرصاص.
الراب - وسيلة احتجاج جديدة
ويبدو أن ثقافة الاحتجاج لدى الشباب التونسي لم تقتصر فقط على الانفلات مما يوصف ب"الرقابة المفروضة على الانترنت وكسر التعتيم الإعلامي" من خلال استخدام تقنيات مختلفة وبرمجيات خاصة، كما يقول بلقاسم س.، بل أيضا من خلال موسيقى الراب، كطريقة للتعبير عن الاحتجاج. وقد تم تداول أغنية "رئيس البلاد" لمغني الراب حمادة بن عمر(21 عاما)، الملقب بـ" آل جنرال"، بشكل كبير على المواقع الالكترونية.
وبكلمات وصفت بـ"الجريئة" يتوجه الشاب التونسي برسالة إلى الرئيس التونسي ضمّنها انتقاداته للوضع الاجتماعي والاقتصادي الراهن. وتقول المقاطع الأولى للأغنية: "رئيس البلاد، هاني اليوم نحكي معاك باسمي وباسم الشعب الكل اللي عايش في العذاب! 2011 مازال شكون يموت بالجوع، لكن صوتو موش مسموع، اهبط للشارع وشوف العباد ولات وحوش...!" (رئيس البلاد أنا أتكلم معك باسمي وباسم الشعب الذي يعاني العذاب، في سنة 2011 وهناك من يموت جوعا، لكنه صوته ليس مسموعا، انزل إلى الشارع وسترى كيف تحول الناس إلى وحوش.)
"خبز، حرية، كرامة وطنية!"
وإن اختلفت الصفحات والمواقع وطرق تناول المظاهرات الاحتجاجية، التي اندلعت في عدد من المناطق التونسية، تبقى علامات الحزن هي الطاغية على المواقع المختلفة ولدى الكثيرين من مستخدمي فيسبوك من التونسيين. وفيما اختار الكثيرون صورة العلم التونسي كصورة رئيسية لحسابهم الشخصي، بعد أن غيروا اللون الأحمر إلى اللون الأسود، كتب آخرون عبارات "لا للقتل، لا للعنف، من أجل تونسنا العزيزة" أو آيات قرآنية ترحما على ضحايا الاحتجاجات، أو عبارات احتجاجية رُدّدت كثيرا في المظاهرات على غرار "خبز، حرية، كرامة وطنية!"
شمس العياري
مراجعة: لؤي المدهون