هل تواجه دول عربية خطر المجاعة بسبب انتشار كورونا؟
٢٢ أبريل ٢٠٢٠تثير التحذيرات الأممية المخاوف من تضاعف أعدد الجوعى في العالم نتيجة انتشار جائحة كورونا والتغييرات المناخية والنزاعات، وكان التقرير العالمي حول الازمات الغذائية للعام 2020 والذي أصدرته الأمم المتحدة قد حذر من أن وباء كوفيد-19 يمكن أن يؤدي بسبب انعكاساته الاقتصادية المدمرة، إلى تضاعف عدد المهددين بالمجاعة ليبلغ أكثر من 250 مليونا في 55 بلدا نهاية 2020" ما يهدد بحدوث "كارثة إنسانية" ذات بعد عالمي، بحسب البيان الصادر.
الخبير الاقتصادي طارق الحاج قال في مقابلة هاتفية مع DW عربية أن جائحة كورونا ساهمت بشكل كبير في تغييرات اقتصادية وسياسية سنلمس آثارها على المدى القصير والمتوسط، وبحسب الخبير الاقتصادي الفلسطيني فإن انتشار عدوى فيروس كورونا، والتحديات الكبيرة التي واجهت العالم في توفير المستلزمات الصحية، وانغلاق الدول على نفسها ساهم في بدء بلورة جديدة معاكسة لمفهوم السوق الحر وحرية رأس المال وهي المرتكزات التي استندت إليها العولمة وسار عليها الاقتصاد العالمي في السابق. ويقول الحاج إن التغيرات الكبيرة التي حصلت أعادت الاعتبار لمفهوم وظيفة الدولة ومن بينها توفير الأمن الغذائي والصحي لمواطنيها، وهو ما قد نشاهد بعضا من تأثيراته بعد انتهاء العالم من مخاطر هذا الوباء.
مشاكل الأمن الغذائي العربي
"العالم العربي كانت لديه مشكلة كبيرة تراكمت عبر السنوات في استغلال موارده الطبيعية وذلك بسبب إما ضعف الإدارة أو فسادها بالإضافة في اعتماد أساليب بدائية في الزراعة والحصاد والتخزين وعدم تنويع المحاصيل الزراعية ومشكلة توفر المياه اللازمة"، بحسب الخبير الاقتصادي وهو ما أدى إلى جعل المنتوج الغذائي العربي عالي التكاليف مقارنة بالأسعار العالمية بالإضافة إلى زيادة كمية الهدر الموجود لسوء إمكانيات التخزين. هذا الأمر أدى إلى تناقص في نسبة المردود المالي في القطاع الزراعي والتصنيع الغذائي للعديد من الدول العربية بالرغم من أهميته، وجعل العديد من الدول العربية رهينة الاستيراد الخارجي لحاجاتها الغذائية.
وكان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد وافق منذ أيام على مقترح قدمته الكويت، يقضي بإنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة، تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلدان الستة. ونقلت وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، أن الدول الأعضاء كلفت الأمانة العامة للمجلس بالدراسة الفنية للمقترح، وإقرار موافقة نهائية عليه عند إنجازها. وقالت إن اجتماع وزراء التجارة، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، ناقش أثر فيروس كورونا على تدفقات السلع والتجارة، وحل أي عوائق تواجه انسيابها. ويضم مجلس التعاون لدول الخليج العربية ـ التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل إيرادات موازناتها ـ كلا من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان.
محاولة لن تكلل بالنجاح
هذه المحاولة لم تخل من التشكيك وربما السخرية من قبل البعض، كما عبر الشيخ حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر الأسبق عبر حسابه على تويتر، حيث قال "قرأت خبر اقتراح إنشاء شبكة أمان غذائية بين دول مجلس التعاون، لكني لا أفهم كيف سنرسل نحن في قطر مساهمتنا من المواد الغذائية أو كيف سنتلقاها. هل سيتم ذلك عبر عُمان والكويت أم سيكون بشكل مباشر".
وأضاف بن جاسم: "خبر مُضحك مبك في الوقت نفسه، ينقصه أقل القليل من الاحترام للعقل الخليجي الذي لا بد منه كي يتوفر الصدق".
بيد أن الخبير الاقتصادي الحاج يشكك في جدوى الاقتراح المذكور، معتبرا أنه قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنه غير قادر على التغيير الفعلي الحقيقي لمواجهة تحديات نقص التغذية في العالم العربي ولا سيما الخليجية، وقال الحاج: بعد الانهيار التاريخي في أسعار النفط، والعجز الكبير المعلن قبل ذلك في ميزانيات دول عربية كبيرة، فإنه من المستبعد قدرة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على إقامة مشاريع كبيرة فعلية تصل إلى الغاية المنشودة.
وأضاف الحاج، من ضمن النقاط الأساسية التي نصت عليها الجامعة العربية، كان ضمان أمن الغذاء في العالم العربي، وبالرغم من وجود محاولات للسعودية وقطر، بالاستثمار في السودان أو في أراضيها، لم يتعد هذا الامر المحاولات الفردية، وتوقفت معظم هذه المشاريع أو تضاءلت أهميتها مع مرور الوقت.
ويقول الحاج "للأسف أضاعت دول عربية فرصة ذهبية كبيرة، عندما ارتفعت أسعار النفط، وتوفرت ميزانيات حقيقية لذلك، إلا أنها لم تستغل، وانشغلت العديد منها في حروب ومعارك جانبية بددت من هذه الثروات"، لذلك من المستبعد جدا في ظل اعلان أبو ظبي على الاقتراض المحلي، وانخفاض أسعار النفطـ وتوقف السياحة، ومراسم الحج والعمرة التي تعتمد عليها السعودية، أن تتمكن الدول الخليجية من رصد ميزانيات كبيرة لشبكة أمن غذائي أو لصندوق مالي خاص بها.
دول عربية مهددة بالجوع
ويبدو أن دولا إفريقية دفعت العام الفائت مجددا ثمن "انعدام الأمن الغذائي الحاد" الذي طاول 73 ملايين شخص في القارة السمراء، هم أكثر من نصف عدد سكان القارة. وبين الدول المهددة بالجوع على المدى المنظور جنوب السودان (61 في المئة من السكان) واليمن (53 في المئة م السكان) وافغانستان (37 في المئة من مجموع عدد السكان هناك)، اضافة الى سوريا وهايتي وفنزويلا واثيوبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية والسودان والشطر الشمالي من نيجيريا.
وخلال مؤتمر عبر الفيديو لمجلس الأمن الدولي حول هذا الموضوع، رسم مدير برنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي صورة مظلمة للغاية لما ينتظر الكوكب، وحث أعلى سلطة في الأمم المتحدة على الاسراع في اتخاذ إجراءات لمواجهة ذلك. وقال "نحن مقبلون على جائحة الجوع. ... نحن لا نواجه جائحة صحية عالمية فحسب، بل نواجه أيضا كارثة إنسانية عالمية. فالملايين من المدنيين الذين يعيشون في دول تشهد نزاعات، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال، معرضون لخطر المجاعة، إن شبح المجاعة احتمال حقيقي وخطير للغاية". وأضاف أنه "وفق أسوأ السيناريوهات، يمكن أن نشهد مجاعة في حوالي 30 دولة. وفي الواقع، في عشرة من هذه البلدان لدينا بالفعل أكثر من مليون شخص في كل منها على حافة المجاعة"،
وأضاف أن ما تقدم يعود لـ"العديد من الأسباب، مثل الحروب في سوريا واليمن، وتفاقم الأزمات في دول مثل جنوب السودان. ولفت إلى وجود "821 مليون شخص ينامون جوعًا كل ليلة في جميع أنحاء العالم، وأكثر من 135 مليون شخص آخر يواجهون مستويات أزمة الجوع أو ما هو أسوأ، وهذا يعني أن هؤلاء يسيرون نحو حافة المجاعة".
وسبق لوزير التنمية الألماني غيرد مولر أن حذر من تداعيات جائحة كورونا الراهنة ولاسيما بالنسبة لبعض الدول الافريقية.وفي تصريحات لإذاعة "دويتشلاند فونك"، قال الوزير المنتمي إلى الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري،" هذه الجائحة ليست الأخيرة"، مشيرا إلى أن الجائحة الراهنة تنطوي على مخاطر تصل إلى حد سقوط الدولة بالنسبة لبعض الدول الأفريقية. وطالب مولر "بسرعة التعرف على الأخطار الصحية الجديدة وتنسيق شراء الأدوية وحملات التطعيم على مستوى العالم ومنظمة الصحة العالمية تمتلك مؤهلات جيدة لهذا".
في سياق متصل يرى الخبير الحاج أن العالم قد يشهد نقصا في الإنتاج الغذائي ما بعد الجائحة، ويستشهد بهذا الامر بأنه من الثابت علميا وتاريخيا، حدوث مجاعات بعد الأوبئة التي شهدها العالم، بيد أن الفرق بين الماضي وما يحدث الآن أن النقص في الناتج الغذائي وتوفير الطعام، كان مرده في الغالب لنقص العنصر البشري، وعدم القدرة على العمل. حاليا وبعد أن حلت التكنولوجيا محل الأيدي العاملة في الكثير من المجالات الزراعية والصناعية وفي مجالات النقل، فإن التأثير سيكون أخف على الدول القوية والمتقدمة، بيد أن سيكون قاسيا لدى الدول الضعيفة النامية. ويعتقد الحاج أن السنوات المقبلة ستشهد إعادة في توزيع الثروات عبر العالم بحيث ستزيد من تركيز الثروة بيد الأغنياء، وسيزداد الفقراء فقرا. ويوضح أن المجاعة في اليمن وسوريا وحتى بعض المناطق في العراق ستزداد ضراوتها في حال عدم وجود مبادرات جادة لمنع ذلك، إلا أنه أعرب عن تفاؤله بما يخص السودان، مؤكدا أن الظروف المتغيرة التي تشير إلى نقص تغذية هناك لا تدعو للقلق حتى الساعة.
علاء جمعة