أي اقتصاد ينتظر الدول العربية في عالم ما بعد كورونا؟
٥ أبريل ٢٠٢٠تجد التغيرات التي يشهدها عالمنا انعكاسها في التغير الدراماتيكي الذي يشهده نمط حياتنا اليومي. فخلال أقل من شهرين على تفاقم الأزمة أصبحت حياة ثلث سكان الكون، أكثر من 2.5 مليار نسمة محصورة بين مكان السكن ومتاجر الأغذية والمشروبات والمنظفات المنزلية والصيدلية. وبين ليلة وضحاها توقفت آلاف المصانع والمؤسسات ومعها عشرات الملايين عن العمل بخسائر يقدرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بنحو تريليوني دولار حتى الآم.
وفي المقابل أصبح على عشرات الملايين منا العمل من البيت بدلا من المكتب أو المكان الذي يوفره أصحاب العمل. وفجأة أصبحنا نعيش دون متاجر ألبسة ومطاعم ومقاهي وصالونات حلاقة وسياحة، في وقت تتحول فيه مراكزنا الحضرية إلى مدن أشباح.
في ظل هذا الوضع تزدهر التجارة الإلكترونية وتتعزز مكانة حياتنا الافتراضية عبر الإنترنت ووسائل تواصلها المتعددة بشكل لم يسبق لها مثيل.
شريعة الغاب
في خضم هذه التغيرات يلوح في الأفق نمط أو نظام اقتصادي جديد على وقع العيوب القاتلة في النمط الحالي الذي يتعامل مع صحة الناس في معظم البلدان على أساس الربح والخسارة. وتظهر هذه العيوب أيضا في الغياب المريع للتضامن العالمي مقابل تعزيز النزعة القومية الأنانية حتى في بين دول تشكل أحلافا واتحادات كحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
ومن الأدلة الكثيرة على ذلك تهم فرنسية وألمانية تفيد بأن واشنطن تقرصن شحنات طبية بأسعار خيالية سبق لجهات فرنسية وألمانية أن اشترتها قبل ذلك. على الصعيد الأوروبي لم تستفق بروكسل على النكبة الإيطالية بالفيروس لتقدم اعتذارها لروما على التقصير في تقديم عون أو مساعدة. وبدورها ترفض واشنطن رغم الأسباب الإنسانية رفع العقوبات عن تزويد إيران وفنزويلا وسوريا وكوبا ودول أخرى بمعدات طبية لمواجهة كورونا.
وحتى صندوق النقد والبنك الدوليين فهما شبه مختفيان عن ساحة التضامن التي خلت إلا من المساعدات الثنائية التي تقدمها ألمانيا وروسيا والصين وحتى كوبا الفقيرة لبعض الدول المنكوبة وفي مقدمتها إيطاليا.
وهناك ولحسن الحظ مبادرات فردية وخيرية في مختلف أنحاء العالم تخفف المعاناة عن جزء من معاناة الناس، لاسيما الفقراء منهم بسبب الارتفاع الكبير الذي بدأت تشهده أسعار بعض الأغذية والأدوية الضرورية. وهنا لا بد من التأكيد على دور كبير يقوم به متبرعون وجمعيات خيرية في الدول العربية بشكل يساعد على التخفيف من حدة تبعات الأزمة.
عولمة تفاقم المشكلة
غير أن أسوأ عيوب نمط الاقتصاد العالمي الحالي تلك المتمثلة في قيام الدول التي تخصصت بإنتاج وتصدير الحبوب والأغذية ومستلزمات الحماية الطبية بوضع قيود على تصديرها كما فعلت مؤخرا أوكرانيا وروسيا وفيتنام على صعيد الأغذية والولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى على صعيد المنتجات الطبية.
ويزيد الطين بلة غياب تشكيل خلية أزمة عالمية للتخفيف من حدة المشاكل الناتجة عن ذلك رغم وجود الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الدولية المتخصصة بالشأن الاقتصادي. ومن شأن وضع كهذا أن يدفع الدول التي عزفت في ظل عولمة العقود الثلاثة الماضية وتقسيم العمل الدولي الحالي، عن إنتاج أغذيتها وأدويتها وسلعها الأخرى الضرورية والاستراتيجية للعودة إلى إنتاجها محليا تحسبا لنقص قد يؤدي إلى انتشار الجوع وحدوث انهيارات في نظمها الصحية.
ولا تقتصر قائمة الدول التي هجرت الإنتاج على دول فقيرة ونامية كدول عربية وأفريقية، فهي تشمل أيضا قائمة من البلدان الصناعية مثل إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا. ومما تعنيه هذه العودة قيام الدولة بدور أكبر في اقتصاد الإنتاج الواقعي على حساب اقتصاد المضاربات والمشتقات المالية الافتراضي والرأسمالية المتوحشة.
ملايين مهددون بالجوع
تعد الدول العربية من الدول التي تحتاج إلى إعادة النهضة بالمنتج الوطني الزراعي والغذائي والطبي وإعادة الاعتبار لقطاعاته التقليدية التي تم إهمالها لصالح السياحة والاعتماد على النفط والفوسفات والغاز وفلزات الحديد. ويعكس هذا الإهمال تحذير لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا/ إسكوا من أن تداعيات كورونا قد تلقي بأكثر من 8 ملايين شخصا إضافيا من سكان المنطقة العربية في براثن الفقر والجوع بسبب تقليص تجارة الأغذية وقلة المخزون منها. وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون في المنطقة العربية يعانون من الفقر حاليا.
تعميم التجارب الناجحة
السؤال هنا، هل تستطيع الدول العربية التعلم من درس كورونا وإعادة الاعتبار للمنتج الزراعي والغذائي والصحي المحلي مهما كلف ذلك من ثمن؟ في الحقيقة كانت مصر وسوريا ولبنان والمغرب والجزائر ودول أخرى قبل عصر النفط تحقق الاكنفاء الذاتي في غالبية المنتجات الغذائية والحرفية.
و تشكل أزمة كورونا فرصة لإعادة إحياء إنتاجها محليا إلى جانب منتجات طبية وضرورية أخرى. وهنا يمكن أيضا البناء على تجارب مصرية وسورية وتونسية وخليجية ناجحة في زراعة التمور والزيتون والصبار والحبوب وإنتاج الأدوية. هذه التجارب يمكن الاستفادة منها في زراعة البقوليات والنباتات الطبية والزيتية والصناعية على أساس استغلال الأراضي الزراعية التي هجرها أصحابها بحثا عن العمل في المدن الكبرى كالقاهرة والدار البيضاء وبيروت ودمشق والعيش على أطرافها في أحياء عشوائية تفتقد لأبسط مقومات الحياة الصحية. أما الدعم الحكومي المالي والمادي اللازم لذلك ولقوة العمل الشابة في الأرياف فهو أقل بكثير من تكلفة أية أزمة كالتي نشهدها حاليا بسبب كورونا.
إنقاذ العمالة غير الرسمية
يقطن الأحياء العشوائية وأحياء الصفيح التي تحيط بمدن كالقاهرة والدار البيضاء وبيروت وبغداد ودمشق وبيروت وغيرها عشرات الملايين الذي هجروا من أريافهم بحثا عن حياة أفضل. ويعمل القسم الأكبر من هؤلاء كعمالة غير رسمية وغير مستقرة بأجور متدنية وبدون تأمين ضد البطالة. ومما لا شك فيه أن أزمة كورونا ستسبب البطالة لهؤلاء أكثر من أي فئة أخرى بسبب الحجر المنزلي وتوقف الأعمال. وهو الأمر الذي سيدفع الكثيرين منهم إلى العودة إلى أريافهم أو التفكير في العودة إليها بهدف القيام بنشاط اقتصادي زراعي أو حرفي يساعدهم على كسب قوتهم اليومي.
ويشكل هذا الأمر فرصة تاريخية ونادرة لحكومات بلدانهم من أجل المساعدة على استقرار سكان الأرياف وجعلهم مصدرا يساعد على توفير الأمن الغذائي وتنويع مصادر الدخل الوطني. ومن شأن ذلك أن يخفيف الازدحام والتلوث والقمامة في المدن المكتظة. ومن المعروف أن التلوث يساعد على انتشار أمراض وأوبئة تكلف مواجهتها عشرات المليارات سنويا في الدول العربية.
ابراهيم محمد