موريتانيا - حرية الرأي في خطر
١٥ يناير ٢٠١٥عندما أصدرت محكمة نواذيبو في 24 ديسمبر2014 حكم الاعدام ضد الشاب محمد الشيخ ولد أمخيطير بتهمة كتابة مقال مسيئ للنبي محمد لاقى ذلك ترحيب تيارات تظاهر مؤيدوها منذ العام الماضي للمطالبة بإعدامه. ووصف زعيم جماعة أحباب الرسول، يحظيه ولد داهي، الحكم الصادر بأنه "حكم شرعي صادر من الله في حق شاب مرتد وزنديق، وفق الشريعة الاسلامية والقانون الموريتانى"
فئات عريضة من الناشطين الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدنى، التزمت الصمت، في حين قام بعضها بتوزيع مناشير وكتابة الشعارات على واجهات مؤسسات حكومية للتنديد بحكم الاعدام الصادر في حق الكاتب الشاب.
الخوف من التكفير
وقالت الحقوقية مكفولة منت ابراهيم وهي إحدى ابرز المدافعات عن حرية التعبير في موريتانيا في لقاء مع DW عربية: "إن الخوف من التعبير عن الرأي لا يقتصر فقط على الحقوقيين وإنما يشمل كذلك قطاعات عريضة من أصحاب الفكر المستنير،حيث لم يعد أمامهم سوى خيارين إما التعرض للتهديد بالقتل أو السكوت عن مواقف الارهابيين،ومن يتابع اليوم مواقع التواصل الاجتماعى في موريتانيا يلاحظ أن الكثير من المثقفين يتحفظون في إبداء موقفهم من هذه القضية بسبب الخوف "
وتعزو منت ابراهيم مثل هذه المواقف الصامتة إلى حملات التهديد السرية والعلنية التي تتعرض لها تلك الجهات على يد أشخاص وتنظيمات متشددة، بل إن الحقوقية تذهب للقول بأن ثمة أيادي خفية تحرك بعض المتشددين بهدف إسكات المدافعين عن حقوق الانسان وحرية التعبير.
من جهته يؤكد ممادو صار، الأمين التنفيذي لمنتدى المنظمات الوطنية لحقوق الانسان بموريتانيا (فوناد) في لقاء مع DW عربية بأن سطوة تيار الاسلاميين المتشددين وهيمنة التيار التقليدي المحافظ لعبتا دورا مؤثرا في مجريات محاكمة الكاتب الشاب الشيخ ولد أمخيطير.
وأضاف أن " كل المناضلين الحقوقيين لم يعودوا اليوم في مأمن من التكفير أو التهديد بالقتل لمجرد التعبير عن آرائهم بهذا الخصوص، ولذا على الدولة أن تلعب دورها في حماية الاشخاص،لان الامر أصبح خطيرا للغاية"، حسب ممادو صار
غياب شروط المحاكمة العادلة
واستنكر ممادو صار الظروف التى جرت فيها محاكمة الكاتب الشاب قائلا: "إن الحكم صدر تحت ضغط الشارع الذي طالب منذ الأيام الأولى لصدور المقال بإعدام الشاب". وأضاف "نحن في منتدى منظمات حقوق الانسان نؤكد بأن الشروط اللازمة لاستقلالية المحاكمة العادلة لم تكن متوفرة، وبالتالي جاء الحكم لإرضاء الشارع والسلطة التنفيذية ،وقد أصبحت مثل هذه الحالات توجد في كل قضية ترتبطة بالرأي العام. إن الشاب ولد امخيطير صاحب وجهة نظر، أراد التعبير عنها من داخل الاسلام - وإن كنا لا نتفق معه في الرأي- غير أننا حريصون على أن يحظى بحقه في محاكمة عادلة "
وأشار الناطق باسم المنظمات الحقوقية الموريتانية إلى البعد الاجتماعي لقضية الحكم على ولد امخيطير الذي ينتمى لطبقة اجتماعية ينظر إليها بالدونية في مجتمع وصفه "بالطبقية والعنصرية" وقال: "كم من الانتهاكات ترتكب ضد حقوق الانسان في موريتانيا باسم الاسلام ... ويقوم بها أشخاص يحظون بالحماية نظرا لمركزهم الاجتماعي"، كما أعرب عن رفض المنظمات الحقوقية بشكل مطلق لتنفيذ حكم الاعدام باعتباره منافيا لكل الاتفاقيات التي وقعت عليها موريتانيا.
حماية المصالح الشخصية
و يستشهد ولد اطفيل بحادثة قيام مجموعات متشددة بتحطيم محلات شركة سامسونغ التي يملكها إبن أحد المحامين بسبب اعراب هذا الأخير عن رغبته في الدفاع عن الشاب محمد الشيخ ولد أمخيطير، حيث لزمه التراجع عن مهمة الدفاع. إن هذا "يؤكد أن الحكم الصادر في حق الشاب كان بدافع العمل على إخماد النار التي هدد المتطرفون بإشعالها في البلاد إذا ما حكمت المحكمة بغير الإعدام" كما يضيف المتحدث.
غياب دور رجال الدين
الباحثة الاجتماعية نجوى منت الكتاب ترى بأن الموريتانيين لم يتعودوا حتى وقت قريب على نقاش القضايا الدينية التي ظلت حكرا على الفقهاء وعلماء الدين، وعندما بدأ بعض المثقفين يقتحم المجال ويطرح أسئلة جريئة شكل ذلك صدمة لغالبية المجتمع .
وقالت منت الكتاب ل DW عربية "مادامت هذه الوضعية قائمة فان العديد من المشاكل ستبقى عالقة، غير أني أعتقد أن الحل يكمن في وجود رجال دين منفتحين وعلى استعداد دائم لنقاش كل الافكار والإجابة على كل التساؤلات التي تشغل بال الشباب اليوم"
وأرجعت الباحثة الاجتماعية خوف الناس وعدم التعاطف مع كاتب المقال الى طبيعة المجتمع الموريتاني المتدين والذي يختلف جذريا عن المجتمعات الغربية التي تنهج في سياساتها نظام فصل الدين عن الدولة.