لاجئون ونشطاء يترقبون أفعالا بعد إعلان المغرب خطة جديدة للهجرة
٢٦ نوفمبر ٢٠١٣بنظرة متوجسة، تجلس على رصيف أحد شوارع الرباط، بعيدا عن المسالك والطرق التي تقربه من الحلم الأوروبي المفقود، ترتدي ملابس بالية وتبدو عليها الأوساخ.. مانيلا، 25 ربيعا، مر على وصولها إلى المغرب سنة ونصف تقريبا، قادمة من نيجيريا، تتحدث بنبرة خافتة "جئت إلى المغرب من أجل التسلل في أقرب وقت إلى أوروبا، للبحث عن حياة أفضل، خاصة وأنني عانيت من الحرمان والفقر، والآن أجد نفسي غير قادرة بالكاد على جني ما يسد رمقي".
وغير بعيد من المكان الذي تجلس فيه مانيلا، تفترش مريم، وهي سينيغالية الجنسية، الأرض وقد صفت بضعة هواتف نقالة على علبة الكترونية لبيعها بجانب أحد أسواق العاصمة الرباط، تقول: " نسمع جميع أنواع الشتيمة العنصرية من المغاربة، كما أننا معرضات للاعتداء من طرف بعض المشردين، ولا أحد يدافع عنا".
المغرب الذي كان دائما أرضا مصدرة ومستقبلة للهجرة، شهد في السنوات الأخيرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء يحدوهم الأمل في العبور إلى أوروبا. بيد أن المغرب لم يعد بالنسبة إليهم سوى واحد من الأشواك في الطريق نحو الحلم الأوروبي، خاصة بعد تشديد الحراسة على الحدود، والمساهمة في تطبيق سياسات الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
أوضاع "سيئة" وانطلاقة "استثنائية"
موضوع المهاجرين غير الشرعين في المغرب، عاد ليطفو من جديد على السطح، بعد إعلان المغرب خطة لتسوية أوضاع الأجانب الذين يقيمون في البلد بدون وضع قانوني في خطوة استثنائية من المقرر أن يستمر تنفيذها من الأول من يناير كانون الثاني إلى 31 من ديسمبر كانون الأول 2014. وتستهدف الخطة المهاجرين الذين يقيمون في البلاد بصورة غير شرعية والذين تشير تقديرات وزارة الداخلية إلى أن عددهم يتراوح بين 25 ألفا و40 ألف شخص معظمهم من دول أفريقية جنوبي الصحراء الكبرى بقوا في المملكة بعد فشلهم في الوصول إلى أوروبا.
يقول أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، في حوار مع DW عربية، " أن المبادرة الملكية(أطلقها الملك محمد السادس)، تشكل تحولا حاسما في مجال التعامل مع إشكالية الهجرة، ليس على المستوى الإقليمي فقط ولكن على المستوى الدولي كذلك"، مؤكدا أن " قرار الملك محمد السادس وضع سياسة جديدة للجوء والهجرة ثمَنها المجتمع الدولي عاليا".
ويضيف الوزير المغربي أن " المغرب يعد أول بلد من بلدان الجنوب يبلور سياسة شمولية، في مجال حماية المهاجرين وطالبي اللجوء، تعتمد بالأساس على مقاربة إنسانية حقوقية تنسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب". ومن المقرر أن يشارك المجلس الوطني لحقوق الإنسان(هيئة مستقلة عن الحكومة وتابعة للقصر الملكي) ووزارة شؤون حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في الخطة. وبالنسبة لخديجة عيناني، نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المكلفة بقضايا الهجرة، فهي تقول في حوار مع DW "أن سياسة الدولة المغربية تعمل على تلميع صورتها تجاه المنتظم الدولي، أكثر مما هي موجهة للمغاربة".
وتقول الناشطة الحقوقية " منذ سنوات ووضعية المهاجرين الأفارقة في المغرب تزداد سوءا، ففي الوقت الذي يتم الترحيب بالمهاجرين الأوروبين، يُعامل الأفارقة أسوء معاملة، سواء من طرف الشرطة المغربية أو الاسبانية أو عند الحدود الجزائرية المغربية، حيث يتم تهريبهم قصرا، والإلقاء بهم في الخلاء بدون مأكل أو مشرب..".
اتهامات بالعنصرية
"إنهم يعاملوننا كالحيوانات.." هكذا اختصر منصور، القادم من السينغال، معاملة بعض المغاربة للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء المقيمين في البلاد بطريقة غير قانونية. وقال منصور(27 عاما)، " لانشعر بالأمان خاصة بعد مقتل المواطن السينغالي، كما أننا نعاني من الحجز على بضائعنا، وهذا أمر مؤسف للغاية".
وكانت حادثة مقتل المهاجر السينغالي، في حافلة على خلفية مشاجرة مع إمرأة مغربية نعتته بألفاظ عنصرية فطعنه مغربي آخر، بالإضافة إلى حادثة اغتصاب مهاجرة من دولة إفريقية على يد أفراد من الحرس المغربي (القوات المساعدة)، قد أثارتا جدلا إعلاميا كبيرا خلال الصيف الماضي.
وترصد خديجة عيناني مظاهر ازدواجية في الخطاب الرسمي المغربي إزاء ملف الهجرة، وأوضحت "هناك خطابات يروج لها الإعلام، وبعض المسؤولين المغاربة تحرض على العنصرية والحقد، وما شاهدناه مؤخرا في مدينة الدار البيضاء من لوحات مكتوب عليها ممنوع الكراء للأفارقة لمثال صادح على العنصرية، وكأننا بالصدفة جئنا من المريخ .." تتساءل عيناني.
لكن السلطات المغربية ترى في تلك الحوادث "حلات معزولة" وتأتي أحيانا نتيجة سلوكيات فردية من هنا ومن هناك. وتنظر الحكومة المغربية لقضايا هجرة الأفارقة، كملف استرايتجي بحكم موقع المغرب كحلقة وصل بين القارتين الافريقية والأوروبية.
وقد أبرز الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أنيس بيرو، أن التدابير العملية للسياسة الجديدة في مجال الهجرة "تتمثل في تسوية وضعية طالبي اللجوء المعترف بهم من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ( حوالي 850 شخصا) والأجانب المقيمين بطريقة غير قانونية بالمغرب، والتي ستتم من فاتح يناير حتى 31 دجنبر 2014، وذلك بتعاون وثيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان".
وردا على سؤال لموقع DW عن مدى تأثير هذه السياسة الجديدة على الواقع المعيش للمهاجرين الأفارقة، ردت الناشطة الحقوقية عيناني، "أن عدد المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب ليس كبيرا لهذا الحد ليخلق أزمة للمغرب كما يتم الترويج له" ولاحظت عيناني أن الواقع اليومي لهؤلاء "بعيد كل البعد عن احترام حقوقهم، و الأنكى من ذلك هو الخوف اليومي الذي يلاحقهم يوميا توجسا من الاعتقالات والترحيلات، التي تقوم بها السلطات العمومية خارج إطار القانون".