غزة: احتجاز الشهادة الجامعية يحرم سوق العمل من مؤهلات أصحابها
٣ يناير ٢٠١٣"تخرجْتُ منذ ثلاث سنوات من جامعة الأزهر في غزة وشهادة التخرج محجوزة في الجامعة". وسبب ذلك تراكم الرسوم المالية الجامعية وعدم دفعها، وفق ما أشار إليه محمد رامز لـ DW عربية. الوضع الاقتصادي لرامز صعب للغاية. فوالده مريض لا يعمل، بينما والدته تعمل بائعة خضار في سوق غزة. استطاع التخرج من الجامعة بتقدير جيد جداً، وكانت فرحته لا توصف هو وأسرته. لكنه اصطدم بالواقع المرير، إذ عليه دفع رسوم جامعية مستحقة تقدر بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة دولار أمريكي ليتمكن من الحصول على شهادة التخرج المحتجزة. طَرقَ رامز أبواباً خيرية متعددة لتساعده على تسديد الرسوم الجامعية دون جدوى، الأمر الذي دفعه للعمل بائعا متجولا لتوفير المبالغ المالية المستحقة عليه لدى الجامعة. مبلغ يعتبره رامز كبيرا لمهنه بائع متجول. ويقول إن "احتجاز شهادة التخرج فوتت علي فرص العمل في مهن كتيرة تناسبني". وتقول خريجة من الجامعة الإسلامية لـ DW إنها "طرقت أبواب مؤسسات حكومية وخاصة كلها تطلب شهادة التخرج للنظر بإمكانية العمل".
كَثيرٌ هم الخريجون من جامعات غزة الذين حاورتهم DW عربية، ممن تكدست عليهم رسوم جامعية تراوحت مابين 500 إلى 6 آلاف دولار أمريكي. إذ عجز نحو عشرة ألاف خريج موزعين على الجامعات والكليات في قطاع غزة عن الوفاء بالتزاماتهم ودفع الرسوم المتوجبة عليهم بسبب ظروف اقتصادية وأُسريه حالت دون ذلك. البعض منهم اتهم الجامعات بـ "تجاهل المعاناة والوضع الاقتصادي الخانق لاهالى قطاع غزة وارتفاع نسبة الفقر والبطالة"، في المقابل تسعي إدارات الجامعات وفق برامج بحثية اجتماعية وتمويلية محددة إلى إعفاء هؤلاء من الرسوم المستحقة عليهم أو من بعضها.
"وقفات احتجاجية.. دون جدوى"
كثيرا ما نرى وقفات احتجاجية لطلاب في جامعات غزة للمُطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية أو إطلاق سراح شهادات تخرجهم. جامعة الأزهر أكبر جامعات قطاع غزة تضم اثنتي عشرة كلية، يلتحق بها نحو أربعة عشر ألف طالب. يليها الجامعة الإسلامية بذات العدد السابق، ثم جامعة الاقصي وجامعات ومعاهد وكليات أخرى.
الجامعة الإسلامية التي تديرها حركة حماس رفعت الرسوم المالية للساعة الدراسية، ما أثار غضب الطلاب وطالبوا إدارة الجامعة بالعُدول عن قرارها. ويعتبر الطلبة أن ساعات الدراسة تُكلفهم مزيدا من أعباء التزام الدفع وتزيد العبء عند التخرج واستلام شهاداتهم. سعد محمود، خريج شهادته محتجزة يقول لـ DWعربية "طالبنا الجامعة الإسلامية عبر وقفات احتجاجية بعدم رفع الرسوم، دون جدوى. والنتيجة تراكم المبالغ".
أما جامعة الأزهر المحسوبة على حركة فتح والتي تتنوع كلياتها، فلديها العدد الأكبر من شهادات التخرج المحتجزة، إذ يبلغ عددها نحو ألفى شهادة. أبو عاطف احد أولياء طلبة جامعة الأزهر يقول لـ DWعربية "عندي ولدين وبنت في الجامعة وطالبنا كثيراً إدارة الجامعة بتخفيض الرسوم لنقدر دفع كافة الرسوم..الرسوم عبء كبير جدا علينا". وأضاف أبو عاطف أنه لم يتمكن من دفع مستحقات مالية لأحد أبنائه الذي تخرج قبل عامين من جامعة الأزهر. مشددا على ضرورة "تفعيل إقرار صندوق الطلبة للإفراج عن الشهادات المحتجزة".
البعض يُعفي وفق الانتماء السياسي
"جامعات غزة أصبحت مشاريع استثمارية ربحية، وليست مشاريع تعليمية ناهضة بمستقبل الشباب". هكذا وبنبرة غاضبة يصف أبو يوسف الشرفا تعنت إدارة جامعات غزة ورفضها إعفاء الطلبة المحتاجين من الرسوم الجامعية. ويضيف لـ DWعربية "رسوم الجامعة لأبناء أخي المتوفى أنا بأقوم بسدادها.. لم أر رحمة في تخفيض الرسوم". ويشارك أبو يوسف الرأي جهاد عكيله "يجب ألا تصبح الجامعات وكأنها في سوق تجارى، يجب أن تجري بحثاً اجتماعياً وتخفض الرسوم المُستحقة على الأقل".
مُهيب الرقب سائق تاكسي في منتصف العقد الثاني، تخرج من الجامعة ولاتزال شهادته الجامعية محتجزة. يقول لـ DWعربية "أعمل بأجرٍ يومي على أمل توفير المال لأحرر شهادتي المحتجزة ". ويتابع "إذا كنت منتمياً لحزب سياسيي سيساعدنوك في أخذ الشهادة".
وفي سياق السعي لتخيف معاناة الطلبة ومساعدتهم في الحصول على شهاداتهم المحتجزة لدى الجامعات، تساعد بعض الجهات الخيرية المانحة المتمثلة في مؤسسات محلية وعربية وفق مشاريع ومنح للجامعات تقدم وفق بمعايير مُلزمة ومُقننة. خلال ورشة عمل في غزة لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بعنوان "فك شهادات الخريجين لعدم تمكنهم من دفع الرسوم"، اقترح المشاركون وضع آليات مُحددة تمثلت في إعفاء بنسبة 50% من الرسوم المستحقة، والتواصل مع الدول والمؤسسات والجمعيات المهتمة بقطاع التعليم لدعم الطلبة ودفع جزء من الرسوم عنهم، بالإضافة إلى الإعفاءات الكاملة لأسر الشهداء والأسرى والجرحى. كذلك تبني فكرة إنشاء صندوق إقراض للطالب وضرورة إقرار قانون الصندوق الوطني للتعليم الجامعي الذي يضمن "تغطيه أقساط جميع الطلبة".
الإعفاء "وفق معايير محددة"
توجد نُظم ولوائح تحكم الإعفاءات والقروض داخل جامعات غزة، لكل منها أساليبها وطرقها. الدكتور مدحت سعد الله، عميد شؤون الطلبة في جامعة الأزهر في حواره مع DWعربية يؤكد وجود شهادات بعض الخريجين محجوزة منذ عام 1999. وأن نحو ألفي خريج محتجزة شهاداتهم، يصل مجموع التراكمات المالية إلى مليوني دولار. وردا على سؤال حول معايير الإعفاءات، يقول سعد الله إنها تخضع لشروط عبر نقاط وفق نظام الكتروني جديد اتبع هذا العام، يشمل صفحة لكل طالب تُسجل عليها الحالة الاجتماعية، وتجمع النقاط. وهناك سبعة عشر نوعا من الإعفاءات: كالإعفاء الرياضي والأخوي وللمعاقين ولمعدل الطلبة. وبدورها تقوم لجنة مختصة بالتأكد والبحث الميداني لترتب وتجمع النقاط وفى النهاية تمنح الإعفاءات وفق النتيجة.
وتحدى سعد الله من يَدّعون التميز بإعطاء المنح والإعفاءات، أن يثبوا ادعاءاتهم، قائلا: "لا نفاضل بين أد، مجموع النقاط هي التي تحدد" من يعفى من الرسوم. مضيفا أن الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية لا تسمح لجامعات غزة بأخذ نسبتها المالية منها. إضافة إلى تقليص المنح والمشاريع الخارجية للجامعات. منهيا الحوار بقوله" نقدم إعفاءات من خزينة الجامعة وفق كافة الطرق ونحاول أن نُبقي العدد السنوي عند حدود ألفي شهادة محتجزة كل عام دراسي جديد".