سيرة الخميني.. الجانب الآخر من شخصية قائد الثورة الإيرانية
٢٨ مارس ٢٠٢١الوصول إلى أسباب التغييرات السياسية المفاجئة قد يكون ممكناً في بعض الأحيان من خلال دراسة مشاعر أولئك الذين يقودون تلك التغييرات. ولكن مع آية الله روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، هذا صعب. فعندما سأله أحد الصحفيين، أثناء عودته من منفاه الفرنسي إلى إيران، عن شعوره وهو يعود إلى وطنه بعد ربع قرن، يقال إن رد الخميني كان: "لا شيء". كما أن ردة فعله على خبر وفاة نجله مصطفى عام 1977 كانت باردة أيضاً، فقد قال: "كلنا عابرون. أعطانا الله إياه واستعاده الآن. والآن إلى العمل أيها السادة!". بل وكان أكثر برودة مقابل الأطفال الذين تم إرسالهم إلى ساحات القتال وحقول الألغام خلال الحرب العراقية الإيرانية، فقد كان يناديهم بأن "شجرة الإسلام تزهر بدماء الشباب".
وبالبحث عن الدوافع التي كانت تحرك الخميني، تعود الباحثة في الشؤون الإسلامية كاتايون أميربور، والتي تدرس في جامعة كولونيا، إلى فترة زمنية أبعد، تمتد من القرن العشرين إلى الفترة التأسيسية للإسلام الشيعي في القرن السابع، كما جاء في كتابها "الخميني. ثائر الإسلام. سيرة ذاتية".
دروس من تاريخ الشيعة
في مركز الإسلام الشيعي يأتي علي (بن أبي طالب)، صهر (وابن عم) نبي الإسلام محمد. وقبل أن يصبح علي خليفة محمد، كان عليه أن يفسح المجال لثلاثة منافسين. وعندما تولى منصب الخليفة أخيراً، فقده من خلال التحكيم لصالح الحاكم القوي معاوية بن أبي سفيان. وعندما عيّن معاوية ابنه يزيد خليفة له، طلب سكان مدينة الكوفة من نجل علي، الحسين، تحريرهم من الحاكم الدكتاتور يزيد.
وبالاعتماد على دعم سكان الكوفة، واجه الحسين جيش يزيد الضخم في كربلاء، لكنه وجد أن حلفاءه لم يفوا بوعدهم، ولذلك سُحق جنود الحسين، الذين كانوا أقل عدداً وعدة من جيش يزيد، وقُتل الحسين. بالنسبة للشيعة، فإن فشل أسلافهم في المساعدة وقتها، هو أحد المشاهد الأساسية لإيمانهم، والذي يطلبون التوبة منه حتى يومنا هذا.
وفقاً لأميربور، فقد كان لقصة التحكيم أهمية بارزة بالنسبة للخميني. فقد تعلم من ذلك، كما أعلن خلال الثورة، أنه لا ينبغي للمرء أن يدخل في مفاوضات أو تحكيم مع خصمه السياسي. تلخص أميربور الخطوط العريضة لنظرة الخميني للعالم بالقول: "بصفته أقلية، فإن المرء حتماً دون المستوى، بغض النظر عن مدى أحقيته". كما فسر الخميني العنصر المركزي للإسلام الشيعي في التكفير عن الذنب أو إصلاح الضرر الناتج عن فشل سابق بطريقته الخاصة، كما تقول أميربور في مقابلة مع DW: "أي من خلال محاربة "طاغية الحاضر" - في نظر الخميني - الشاه رضا بهلوي".
نجاح رجال الدين من خلال حملة مكافحة التبغ
في العصر الحديث، تشير أميربور إلى حلقة في صراع إيران ضد النفوذ الغربي، والتي شكلت التطور السياسي للخميني. هذه الحلقة هي ما يسمى بـ"ثورة التبغ" في نهاية القرن التاسع عشر وتداعياتها. ففي عام 1890، منح الملك القاجاري، ناصر الدين شاه، شركة التبغ "الإمبراطورية البريطانية" احتكاراً لتجارة التبغ الإيرانية، ما تسبب في استياء هائل بين السكان. ومن أجل تقويض الاحتكار، أصدر حسن شيرازي، أحد رجال الدين البارزين، فتوى تحظر استهلاك التبغ. التزم المتدينون بالفتوى، وتوقف استهلاك التبغ وبيعه، ما جعل ناصر الدين شاه يضطر أخيراً لإلغاء اتفاق الاحتكار مع الشركة. ومن خلال هذا النهج، اكتسب رجال الدين مكانة كبيرة. تقول أميربور: "أثارت الفتوى أول احتجاج سياسي جماهيري في التاريخ الإيراني وأظهرت ما يمكن لتحالف رجال الدين والبازار (الاقتصاد) تحقيقه". كان الشعور بالسلطة الذي أحدثه هذا لدى رجال الدين عامل تأثير قوي على الخميني.
إساءة فهمه على أنه مصلح اجتماعي
ولد الخميني عام 1902 في بلدة خمين الصغيرة، على بعد 200 كيلومتر شمال غرب أصفهان، وتأثر بشكل مباشر بالمظالم الاجتماعية في عصره. فعندما كان طفلاً، رأى موظفي الحكومة يسيئون معاملة تاجر صغير، كما قال لاحقاً، وأضاف: "رأيت كيف يضربون الرجل ويتنمرون عليه. ضربوه بمطرقة. كان هناك فساد كبير في ذلك الوقت".
لكن خلال حياته، لن يتمكن الخميني من تخيل العدالة إلا في إطار ديني. فالضامنون (لتحقيق العدالة) بحسب التفسير الشيعي هم أئمة من عائلة نبي الإسلام محمد. فهم يرشدون ويدلون على الطريق، ليس فقط من الناحية الدينية، ولكن أيضاً في جميع شؤون الدولة، وفقاً للتفسير الشيعي. تقول أميربور عن نظرية الخميني للدولة: "القيادة السياسية والدينية يجب أن يمارسها الشخص نفسه إذا كان الحكم شرعياً بالفعل".
هذا يفسر سبب توافق أجندة الخميني السياسية في البداية مع النظريات الثورية للحداثة، مثل مناهضة الاستعمار. لكنها في النهاية لا تتوافق معها، لأن رجل الدين الشيعي أسس ثورته بطريقة مختلفة جوهرياً عن الأيديولوجيات المعاصرة: أي بشكل لاهوتي وليس بطريقة علمانية. تقول أميربور لـDW: "لهذا السبب لم يركز الخميني على إصلاح أو قلب المؤسسات الفردية، بل عمل بدلاً من ذلك نحو مدينة فاضلة (بالنسبة له)، أي أن يتولى رجال الدين السلطة السياسية". لقد أغفل العديد من المراقبين الغربيين هذا الجانب في أواخر السبعينيات. وبهذه الطريقة فقط أمكن اعتبار الخميني كـ"غاندي إيران"، خاصة في أوروبا.
طموح شخصي
تشير فتوى الخميني بحق الكاتب سلمان رشدي، مؤلف كتاب "آيات شيطانية"، إلى أنه بعد الإطاحة بالشاه، لم يكن الخميني معنياً بالعدالة الاجتماعية فحسب، بل تصرف أيضاً من منطلق طموح شخصي. وتقول كاتايون أميربور إن الأبحاث، ومنذ فترة طويلة، لم تفترض أن الزعيم الثوري كان مدفوعاً بالغضب الديني أو الحماسة، لكنها تشير إلى أن دوافعه ربما كانت في مكان آخر، وتوضح: "ربما رأى الخميني فرصة هنا ليصبح المدافع الأكثر أهمية عن الإسلام. وحتى الثورة التي يُطلق عليها عمداً اسم إسلامية وليس شيعية، كان من المفترض أن تجعله بابا الإسلام، إن جاز التعبير".
تظهر السيرة الذاتية للخميني التي كتبتها أميربور رجلاً بدأ ثورة لم يتمكن من السيطرة على تطورها فيما بعد. فهل يوافق الخميني اليوم على المسار الذي سلكته الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد وفاته؟ "لا!" هكذا يقول بعض أحفاده الذين يريدون إصلاح الجمهورية: بعضهم من الداخل، وبعضهم من الخارج، كما في حالة حسين الخميني المولود عام 1958. فكيف يرى الخميني الجمهورية اليوم؟ تقول كاتايون أميربور إنها لا تثق بنفسها لتكون قادرة على إصدار حكم نهائي، فالتقييمات والتفسيرات مختلفة للغاية. لقد مات الخميني منذ أكثر من 30 عاماً، لكنه لا يزال شخصية تقسم الإيرانيين بشكل لم يسبق له مثيل.
كرستين كنيب/ م.ع.ح