ولاية الفقيه : رأي لا يقبله اغلب فقهاء الشيعة
٦ ديسمبر ٢٠١٢أسقطت الثورة الإيرانية الشاه محمد رضا بهلوى بقيادة الخمينى المنظر لولاية الفقيه فى أبحاث قدمها فى النجف معتمدا على أدلة أهمها قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) سورة النساء/الآية الخامسة، بتأويل أولى الأمر بالفقهاء وهو رأى نادر وشاذ في المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشرى الذي يحصر (أولى الأمر) بالأئمة المعصومين الأربعة عشر فقط دون الفقهاء كبشر قابلين للخطأ والهوى فيستحيل قرنهم بولاية الله ورسوله فهو مرفوض جملة وتفصيلا فى إجماعهم حيث يكون الإمام العادل وما يترتب عليه محصورا فى المعصوم منهم فقط.
اعتمد الخميني في بحثه كما تشير بعض المصادر على "رواية عمر بن حنظلة وهى ضعيفة جدا سندا ودلالة وفيها أشخاص لم يتم توثيقهم كعمر بن حنظلة نفسه وكذلك مثل اسحق بن يعقوب المجهول و أيضا يزيد بن خليفة وهو واقفى لا يؤمن بالأئمة بعد موسى الكاظم وقد أسس تلك الفرقة وكلاء الإمام موسى الكاظم نفسه كزياد القندى وعثمان بن عيسى الرواسى اللذين رفضا تسليم الأموال والجواري إلى ابنه الإمام على الرضا رافضين إمامته واقفين على الإمام الكاظم كآخر إمام حتى اعتبر بعضهم أن موسى الكاظم هو المهدي الغائب ثم سيرجع لاحقا كما يذكر النوبختى والقمى الطوسى والكشى والنوبختى والمامقانى والمفيد والمرتضى والخوئى وهم فقهاء الشيعة. أما متن رواية ابن حنظلة فالحديث عن حالة خاصة فى رجلين تنازعا فى ميراث. لذلك رفض الفقهاء تعميمها وتطبيقها على الولاية المنظورة بقياس غير مقبول مع الفارق الكبير بينهما. كما أنها ترجع إلى (قد روى حديثنا) وليس الفقهاء المجتهدين أي النظرية الإخبارية التي كانت سائدة فى الفكر الشيعي سابقا بعد عصر الغيبة لفترات طويلة وهى تحرم الاجتهاد بروايات اللعن من الأئمة على من يجتهد ويستعمل عقله فى القياس وغيره، وكذلك تحرم التقليد لأحاديث أهل البيت (من قلَّدَ فى دينه هلك) قبل التأثر بالمذاهب السنية ومدارس الاجتهاد فإن أول مذهب للاجتهاد هو مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، ثم نشأ الأصوليون فى المذهب الشيعى لاحقا وجواز الاجتهاد والتقليد وتوسعه شيئا فشيئا وعوامل تطوره كما ذكره محمد باقر الصدر ومحمد جواد مغنية ومحمد مهدي شمس الدين وهاشم معروف الحسيني والجواهري وكاشف الغطاء وغيرهم.
روايات ضعيفة ومنظرون خرجوا على الإجماع
وأهم المنظرين لولاية الفقيه فى التاريخ الشيعي، هو أحمد النائينى فى كتابه (عوائد الأيام) بأدلة واهية لذلك ردَّ عليه الكثيرون وهو مخالف لإجماع الشيعة فى أكثر من ألف عام لذلك نجد مرتضى الأنصاري فى كتابه (المكاسب) رادا مستهزئا بولاية الفقيه (دونه خرط القتاد) تعبيرا عن شدة وهن الأدلة وضعفها فالفقيه يخطئ وتحركه أحيانا الأهواء والمصالح فتكون نظرية ولاية الفقيه مناقضة تماما لنظرية الإمامة المعصومة وانتظار المهدي كإمام ثاني عشر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لذلك توجد عشرات الروايات التي تتحدث (أن كل راية تخرج قبل الظهور هي راية ضلال وصاحبها طاغوت) وهو ما فهمه الإخباريون الأوائل حرمة الخروج قبل ظهور الإمام العادل والمقصود به الإمام المعصوم
عندما قامت الثورة الإيرانية بمبادئ أساسها اقتصادية وعدالة اجتماعية واشتركت فيها مختلف طبقات وأحزاب الشعب والحزب الشيوعي (توده) لكن القيادة الأيرانية الدينية ألغت الآخرين وتنكرت للكثيرين حتى رفعت شعارات مثل (الموت لأعداء ولاية الفقيه) فتحول كل من يطرح رأيا مختلفا بأنه من أعداء ولاية الفقيه حتى من الفقهاء الآخرين مثل شريعتمدارى و قمى و روحاني وشيرازي والخاقانى والمامقانى و الكرمي وغيرهم، ثم وضعوا تحت الإقامة الجبرية حتى وفاتهم ثم منع تشييعهم والصلاة عليهم ودفنوا سرا بشكل مهين فضلا عن التيارات غير الإسلامية والليبرالية. وما رفعه الخمينى من مبادئ قبل الثورة كحرمة الضرائب ومجانية الخدمات والكهرباء والماء كانت مجرد شعارات قبل الثورة و بدأوا يزيدون الضرائب حتى هاجر الملايين، وأكثر من يعلن ارتداده عن الدين الإسلامي فى العالم كله هم من الإيرانيين بسبب القمع والظلم من حكومة ولاية الفقيه .
إن الإشكال الأساس في ولاية الفقيه هو كهنوت السياسة باسم الإله واجتماع السلطات كلها القضائية والتنفيذية والتشريعية عند ولى الفقيه دون رقيب أو حسيب فهو يعين مسؤولي الدولة حتى رئيس القضاء الموالى له كمحمود الشاهرودى الهاشمي لأنه أول شخص ادعى اجتهاد الخامنئى غير المجتهد أصلا كما عبر عنه الخميني ب (ثقة الإسلام) أى المراحل الأولى للحوزة الدينية. ومن صلاحيات ولى الفقيه حصرا أيضا تعيين رئيس الإذاعة والتلفزيون والجيش والحرس الثوري ورؤساء الهيئات حتى رئيس الجمهورية بصلاحيات بسيطة بعد موافقته على ترشيحه وهو يقول (إن اليد الإلهية جعلت أحمدي نزاد يفوز فى الانتخابات لتأييد المهدي المنتظر له).
بهذا الاستغلال لقضية المهدي المنتظر الغائب منذ ما يقرب من ألف عام بسرداب سامراء عام 259 هجرية خوفا من الحاكم العباسي المعتمد بالله وتؤكد بعض المصادر أن الشيعة قد انقسموا آنذاك إلى 14 فرقة واحدة منها فقط آمنت بهذه القصة والغالبية العظمة13 فرقة لم تؤمن به ولا بولادته كما أقر الفقيه الحسن النوبختى صاحب كتاب (فرق الشيعة) في القرن الثالث الهجري.
تصدير الثورة
ومن مشاكلها هى تصدير الثورة الإيرانية وأتباعها فى الخارج لفرض ولاية الفقيه على الواقع الشيعي في العالم.
لكن بعض الفقهاء حاجج ولاية الفقيه ورفَضها علنا من منظريها كالشيخ حسين على منتظرى معتبرها استبدادا ودكتاتورية
ولعل أكثر الشعوب الإيرانية هم من الشباب، وقد أجرى مراسل سى أن أن الأمريكية تحقيقا بأن أكثر شعب فى العالم يحب أمريكا ويكره نظامه القائم هو الشعوب الإيرانية لذلك يخرجون فى المظاهرات المليونية رافضين نتائج الانتخابات لأحمدي نجاد، هاتفين بسقوط الدكتاتور.
ومن نتائج حكم ولاية الفقيه أن أكثر من 85 بالمائة من الشعوب الإيرانية دون خط الفقر رغم غنى إيران وثرواتها فضلا عن آلاف المسجونين والشهداء وملايين المهجرين اللاجئين في أصقاع الدنيا بحثا عن الحرية والكرامة والإنسانية.
نشر المقال في مواقع عدة ويعاد نشره على صفحتنا بإجازة المؤلف.