40 عاماً من الثورة.. هل نجح "ورثة" الخميني في تصدير نموذجهم؟
١ فبراير ٢٠١٩قبل أربعين عاماً، عاد آية الله الخميني من منفاه في فرنسا إلى إيران، معلناً عن أولى تباشير الدولة الإيرانية الجديدة بعد نهاية نظام الشاه رضا بهلوي. بيدَ أن انطلاق هذه الدولة لم يكن شأناً داخلياً خاصاً بالإيرانيين، ففضلاً عن كونها أول كيان ينشأ عن ثورة دينية في منطقة الشرق الأوسط، اهتم النظام الإيراني بتصدير نموذج ثورته المثير للجدل إلى الخارج، معتمداً في البداية على آليات مذهبية، ما أجّج التوتر بينه وبين عدد من دول الجوار، خاصة الجيران السنة الذين تقودهم العربية السعودية.
مناطق التمدد الإيراني
مدّدت إيران نفوذها في عدد من مناطق النزاع بالعالم العربي، مستغلة في ذلك ظروف الحروب الأهلية والأزمات الداخلية. بدأت أولاً في لبنان، إذ قامت خلال فترة الحرب الأهلية بدعم التنظيمات الشيعية، خاصة حركة أمل، أو حتى المساهمة بقوة في إنشائها كما كان الحال مع حزب الله، ما مكّن إيران من موطئ قدم في لبنان ما بعد الحرب. وتكرّر المشهد ذاته في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث استفادت إيران من الحضور القوي للمكوّن الشيعي لأجل دعم أحزاب وحركات أضحت اليوم رئيسية في المشهد العراقي. والأمر ذاته جرى في اليمن، حيث تتهم إيران على نطاق واسع بدعم الحركة الحوثية، رغم نفي طهران لذلك.
بيدَ أن أبرز تدخل عسكري إيراني حدث في السنوات الأخيرة، كان في سوريا، إذ شكّل وقوفها إلى جانب نظام الأسد، أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في استمراره رغم كل التوقعات بنهايته بعد فقدانه السيطرة على أراضٍ كبيرة. والمثير أنه في الحالة السورية، لم يتوقف الرابط بين إيران والنظام على المذهب الشيعي فقط، بل تجاوزه لإقامة تحالف مع روسيا، ثم تفاهمات واسعة مع تركيا.
وفضلاً عن تبني سياسة تصدير الثورة، يرى خالد الحروب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نورثويستيرن في قطر، وزميل باحث في جامعة كامبردج، أن التدخل الإيراني في دول الجوار تفاعل مع تقدير إيران للمخاطر والتهديدات التي تواجهها من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، ما جعل طهران تبّرر التدخلات في الاقليم بمسوغات دفاعية ووقائية. ويخلص الحروب لـDW عربية إلى أن: "هذا التدخل نتاج مزيج من الثقة الأولية بالنفس والتوتر وردود الفعل الدفاعية اللاحقة".
ويؤكد الحروب أن نقطة التحوّل الكبرى في التدخلات الإيرانية بالمنطقة كانت في "نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2009، حيث كانت إيران أكبر مستفيد منه". ويضيف: "قدمت الولايات المتحدة العراق محطماً ومشرّع الابواب لإيران، ومن خلال البوابة العراقية تواصل النفوذ الايراني الى سوريا وترسخ وتعزز في لبنان عبر حزب الله".
أدوات التمدد
استخدمت إيران عدة آليات لتمديد نفوذها في المنطقة، من أبرزها رفعها راية نصرة المكوّن الشيعي الذي عانى من التضييق في عدد من المناطق العربية، ومن ذلك ما عاناه الشيعة من مظالم في العراق في ظل نظام صدام حسين. الأمر ذاته تكرّر في البلدان الخليجية، حيثُ تتزعم السعودية محور العالم السني الإسلامي، وترّكز منذ عقود على تحجيم أيّ تنامٍ ممكن للمكون الشيعي، وهو ما ردت عليه طهران بدعم حركات شيعية في الخليج، منها ما هو مسلح كـ"حزب الله الحجاز" في السعودية، أو بدعم ورقة المجموعات الدينية، خصوصاً في البحرين حيث تقول إحصائيات إن الشيعة أكثر عدداً من السنة.
كما تقمصت طهران دور حامل لواء "مقاومة إسرائيل" كوسيلة لتوسيع شعبيتها في المنطقة العربية، ليس فقط على مستوى الشعارات التي ترفعها إيران وحلفاؤها، حتى منهم البعيدون جغرافياً عن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي كالحوثيين، بل كذلك على مستوى المواجهة العسكرية عن طريق حزب الله. ولم تكتفِ طهران بذلك، فقد فهمت مبكراً انتشار لغة السلاح في المنطقة، ودعمت بذلك ميليشات مسلحة في أكثر من بلد، حيث سعت هذه الحركات إلى إحكام قبضتها على المجال المسلح، ما مكنها من دور أكبر في المجال السياسي.
ويشير الباحث الحروب إلى عامل أساسي قوّى للأدوات الإيرانية، هو استغلال طهران للتفكك العربي واستثمارها الخلافات العربية الحادة حتى تحوّلت إلى قائدة لما يسمى بـ"محور الممانعة". ويشير المتحدث إلى أن استغلال طهران لهذا العامل بدأ من تأييد سوريا لإيران خلال حربها مع العراق، إذ "شكّل هذا الموقف حالة استثنائية لإيران في قلب المشرق العربي أتاح لها تعزيز نفوذها في كل الاتجاهات".
وما يؤكد كلام الحروب أن إيران، وفي سعيها لتلميع صورتها عربياً، روّجت نموذجها في التصنيع قرب دولٍ عربية جلّها تعتمد فقط على النفط في بناء دورتها الاقتصادية، ووصل التصنيع الإيراني حدّ المجال العسكري، فضلاً عن أن دخولها المجال النووي ساهم في مزيدٍ من تلميع صورتها في المنطقة باعتبارها خصماً قوياً للولايات المتحدة التي تهمين سياسياً على قرارات الكثير من الدول العربية.
تحديات أمام تصدير الثورة!
غير أن طهران تصطدم بالكثير من التحديات والمشاكل في مسعاها نحوَ تمديد نفوذها، أولها النقاش الداخلي الواقع حول تأويل مفهوم تصدير الثورة الذي أتى به الخميني والقاضي بدعم "المستضعفين"، فقد أضحت السياسة الإيرانية أكثر واقعية ببحثها عن إقامة تحالفات مع قوى إقليمية ودولية تتيح تمديد النفوذ بعيداً عن القالب الديني الذي جاءت به الثورة، أو عن التدخل المباشر في شؤون دول الجوار، بما يتيح تخفيف الانتقادات الموجهة إليها.
إلّا أن اختيار القيادة الإيرانية لنموذج أكثر واقعية أتى كذلك لأسباب اقتصادية، إذ تعترف طهران بوجود انكماش اقتصادي حقيقي في البلاد من أسبابه العقوبات الدولية والأمريكية التي فرضت في السنوات الماضية وأعيد فرضها مؤخراً. وتدرك إيران أن سلاحها النووي، وإن جعلها نموذجا متفرداً وسط المنطقة، فإنه في الجانب الآخر، جرّ عليها غضباً دولياً أثر عليها اقتصادياً. كما تعاني طهران من ارتفاع وتيرة استعداء عدد من جيرانها العرب لها، إذ يدعمون الحركات الانفصالية داخل حدودها كما عليه الحال في الأحواز، فضلاً عن وقوع احتجاجات دورية في البلاد ضد السياسات الاقتصادية للحكومة، زيادة على التكلفة الباهظة لتدخلاتها العسكرية في سوريا.
غير أن خالد الحروب، يشير إلى أن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل كبير عمّا يجري في إيران حالياً، مستحضراً أحداثاً تاريخية من قبيل "دعم واشنطن للانقلاب على حكومة مصدق الوطنية في خمسينيات القرن الماضي بسبب رفض الحكومة استغلال الشركات الأمريكية والأوروبية للنفط الإيراني، وكذلك دعم واشنطن لديكتاتورية الشاه وإجراءاته القمعية". ويرى الباحث الحربو أن إيران استخدمت البرنامج النووي لأجل تفكيك الحصار عنها، وهي الآن في طور تفكيك هذا الحصار حسب تعبيره، بل إنها "لم تعد خاضعة للإملاءات الغربية خاصة مع صعود النفوذ الروسي في المنطقة وتعقد معادلات القوى الكبرى فيها".
الكاتب: إسماعيل عزام