سقوط نظام بن علي ـ الشباب العربي وقيادة التغيير!
١٦ يناير ٢٠١١بينما كانت الأنظار شاخصة إلى تونس لمعرفة كيفية تطور الأحداث هناك، خرج الآلاف من الأردنيين إلى الشوارع احتجاجا على البطالة وغلاء الأسعار مطالبين برحيل الحكومة. وبالرغم من أن الحكومة الأردنية، سارعت كالحكومتين الليبية والجزائرية، إلى خفض أسعار السلع الأساسية وإطلاق الوعود لإيجاد المزيد من فرص العمل للشباب، فإن المظاهرات تواصلت في عمان لليوم الثاني على التوالي. ورفع الشباب المتظاهرون لافتات كتب عليها "وَحِّد صفك وحد صفك الحكومة بتنهش لحمك" و"اطلع برا يا رفاعي وجودك ما إله داعي"، وذلك في إشارة إلى رئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي.
وما أن تأكد سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ومغادرته البلاد حتى انضم عشرات المصريين، معظمهم من الشباب، إلى مجموعة من التونسيين كانوا يحتفلون برحيل بن علي بعد ثلاثة وعشرين عاما قضاها في السلطة. وردد المتظاهرون المصريون شعارات مستوحاة من وحي الانتفاضة الشعبية التونسية كـ"يا مبارك الطيارة بانتظارك"، وذلك في إشارة إلى هروب الرئيس التونسي المخلوع إلى مدينة جدة السعودية. كما تداول المصريون نكتة تعكس أجواء الشارع العربي عموما والمصري خصوصا تقول إن "طائرة بن علي حطت في شرم الشيخ لتقل مزيدا من الركاب"، والمقصود هنا بالطبع الرئيس حسني مبارك.
وفي صنعاء خرج اليوم الأحد (16 يناير/كانون الثاني) حوالي ألف شاب من طلاب الجامعات والنشطاء الحقوقيين وساروا في مظاهرة نحو مقر السفارة التونسية، رافعين شعارات تقول"من صنعاء الف تحية لتونس الحرية" ورددوا ايضا "ثورة ثورة يا شباب ضد الحاكم الكذاب ...ضد الحاكم المرعوب". ورفعوا لافتات كتب على بعضها "ارحلوا قبل ان ترحلوا"، بدون ان يذكروا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالاسم. وكتب على لافتة اخرى "التغيير السلمي والديموقراطي هدفنا لبناء اليمن الجديد".
"مصر مقبلة على عصيان مدني سلمي"
وفي مصر لم تتوقف الأمور عند حد التظاهر والمطالبة برحيل الرئيس مبارك، بل بادرت حركة ستة أبريل الشبابية المعارضة إلى إرسال رسائل نصية لهواتف الوزراء المصريين تحذرهم من البقاء في السلطة وتتوعدهم بنفس مصير بن علي. وقال مؤسس الحركة ومنسقها العام أحمد ماهر بأن حركته "تراقب الأوضاع في تونس بفرحة عارمة جدا". وأضاف ماهر، في حوار مع دويتشه فيله، بأنه سعيد جدا للتغيير السياسي الذي تم في تونس لأن هذا ما كانت حركته "تطمح إليه منذ تأسيسها عام ألفين وثمانية" إثر إضراب عمال مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى بمصر.
ويكشف ماهر لدويتشه فيله بأن حركة ستة أبريل الشبابية المعارضة في مصر تدرس التجربة الشبابية التونسية وتتعلم منها، خصوصا أن الانتفاضة الشعبية هناك كانت في انطلاقتها "شبابية". ويعرب الناشط المصري الشاب عن أمله في "نقل ما حدث في تونس إلى مصر في أسرع وقت ممكن لنتمكن من الاحتجاج السلمي في الشوارع".
وحسب ماهر فإن الحركة الشبابية المصرية حاولت النزول إلى الشارع في عام ألفين وثمانية لكنّ تحركها لم يكلل بالنجاح لأن "القمع كان شديدا". لكن هذا لا يعني أن الشباب المصري قد استسلم بل هو بحاجة "إلى الحدث المُحَفِّز، كما جرى في تونس، حدث يحرك آلاف الشباب"، وذلك في إشارة إلى حادثة إقدام الشاب محمد البوعزيزي على الانتحار، والتي شكلت الشرارة الأولى للانتفاضة التونسية. فمصر مقبلة، حسب ماهر، على "عصيان مدني سلمي إن آجلا أو عاجلا".
"لولا التمرد الشبابي لما انهار نظام بن علي"
ويتبادل الشباب العربي، في هذه الأيام وعبر وسائل الاتصال الحديثة كفيسبوك وتويتر، الأفكار حول سبل التعلم من التجربة التونسية أو ما بات يطلق عليها بـ"العدوى التونسية"، وإمكانية نقلها إلى بلدانهم. فالشباب هم "أكثر فئة تعاني من الأنظمة الفاسدة في الدول العربية، وهم القادرون على التحرك. وليس لديهم حسابات سياسية أو خوف مما قد يفقدونه كبقية الأحزاب العربية التقليدية"، والكلام للناشط المصري الشاب أحمد ماهر. وبدوره يرى نقيب الصحافيين التونسيين السابق ناجي البغوري أنه "لولا التمرد الشبابي لما تطورت الحركة الاحتجاجية في تونس إلى مستوى انتفاضة شعبية"، أطاحت بنظام بن علي.
ويضيف البغوري، في حوار مع دويتشه فيله، بأن حراكا ما كان يعتمل داخل المجتمع التونسي منذ سنوات بسبب "حكم الرئيس الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد وأن تحرك البوعزيزي كانت القطرة التي أفاضت الكأس، وأن هذا الشاب رحل ولم يدر بأنه بطل غير تاريخ بلاده". وحسب البغوري فإن الشباب التونسي بدأ تحركه منذ سنوات من خلال التدوين. فقد كانت هناك "حركة نشيطة جدا على مستوى فيسبوك والمدونات ضد الفساد وضد الحجب والانغلاق الإعلامي والاستئثار بالحكم والرئاسة مدى الحياة". من هنا لعبت شبكة الإنترنت دورا رائدا في تجميع الشباب والتنسيق فيما بينهم كما أنها كانت "الوسيلة النضالية لهؤلاء؛ فمن خلالها كانت توجه الدعوات للاحتجاجات".
"محمد البوعزيزي آخر في الجزائر"
ونقل الموقع الإليكتروني لصحيفة الخبر الجزائرية أن شابا جزائريا من مدينة بوخضرة بولاية تبسة أقدم السبت (15 يناير/ كانون الثاني 2011) على تكرار تجربة التونسي محمد البوعزيزي وذلك بإضرام النار في جسده. وحسب الصحيفة فإن الشاب، ويدعى بوطريف محسن، عاطل عن العمل ويبلغ من العمر سبعة وعشرين عاما وأنه أقدم على حرق نفسه احتجاجا على رد سلبي تلقاه من رئيس البلدية في مدينته حين طالب الأخير بتوفير فرصة عمل له. ونقلت الصحيفة عن شهود عيان بان رئيس البلدية سخر من الشاب العاطل عن العمل ودعاه إلى اتباع طريقة البوعزيزي في تونس.
وكانت العاصمة الجزائرية قد شهدت احتجاجات شبابية، سرعان ما انتقلت إلى عدة مدن أخرى، ردا على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. لكن الحكومة الجزائرية تراجعت بسرعة وتمكنت، ولو إلى حين، من استيعاب هذه الحركة وإعادة الهدوء إلى الشوارع الجزائرية. إلا أن مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، يرفض أن يكون ارتفاع الأسعار فقط هو "محرك انتفاضة الشباب الجزائري". ويضيف بوشاشي، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الأسباب العميقة وراء الغضب الشبابي في الجزائر هو "شعور هؤلاء الشباب بالقهر وبأنهم بلا مستقبل في ظل غياب الحريات".
أحمد حسو
مراجعة: منصف السليمي