تقدم العملية الديمقراطية شرط أوروبا لدعم الربيع العربي
١٥ مايو ٢٠١٣تحظى الدول العربية التي أنجزت ثوراتها وتبدلت فيها أنظمة الحكم باهتمام عالمي كبير. وفي هذا الإطار تبدي دول الاتحاد الأوروبي اهتماما خاصا بتونس ومصر وليبيا على الأصعدة السياسية والدبلوماسية وغيرها. وما زيارة مسئولين أوروبيين كبار – ومن بينهم وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله – للمتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة في شهر فبراير/ شباط 2011 إلا إشارة إلى الاهتمام المذكور. كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى التطورات في الدول المذكورة؟ وما الذي تنتظره أوروبا عموما، وألمانيا خصوصا من الحكومات الجديدة هناك؟
بيرتيس: نجاح مصر أو فشلها يحدد مسار العملية الانتقالية
العملية الانتقالية في دول الربيع العربي التي أنجزت ثوراتها معقدة، لكن على هذه الدول التحول إلى الديمقراطية، كما يقول فولكر بيرتيس، مدير المعهد الألماني للدراسات الأمنية والخارجية في برلين في حديث مع DWعربية، ويرى بيرتس بأن هذه هي المسألة الأساسية التي ستميزها عن الأنظمة السابقة، وإلا فلن تعرف الاستقرار. وبينما لا يزال المواطن يبحث عن شيء ملموس قدمته له تلك الثورات في حياته اليومية، ينتاب القلق كثير من المراقبين حول مستقبل العملية السياسية هناك. فبعد عامين أو أكثر على سقوط الأنظمة القديمة، ما يزال الاحتقان السياسي سائدا هناك.
ويرى بيرتيس بأن مصر تلعب دورا محوريا، مشيرا إلى أن "نجاح مصر أو فشلها في إدارة عملية الانتقال السياسي والاقتصادي سيكون له تأثير مباشر على الكيفية التي ستؤول إليها الأمور في دول عربية أخرى".
العملية الديمقراطية ما زالت هناك في مخاض عسير، وهناك صراع شرس على تحديد شكل الدولة المستقبلية. وهذا ما يجري في تونس أيضا، كما يقول النائب في البرلمان الألماني ورئيس مجموعة الصداقة الألمانية – العربية يواخيم هورستر في حوار مع الإذاعة الألمانية/ دويتشلاند فونك. ورغم الصراع على السلطة في تونس وتعقد الوضع هناك يلمح هورستر مؤشرات إيجابية، أبرزها "عدم تدخل الجيش في كل ما يجري، وهذا يعني أن المؤسسة العسكرية في تونس تريد انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي". وما الاحتجاجات التي تجري في تونس بين فترة وأخرى سوى دليل على يقظة لا تريد التفريط بالثورة.
التوافق على الدستور ضمان لاستقرار الدولة
من الأمور الهامة التي تأمل ألمانيا رؤيتها هي استقرار مؤسسات الدولة ونشوء أجهزة شرطة، وخاصة في ليبيا، التي يجب أن تفي بعدة شروط قبل البدء بأي تعاون أوروبي معها، وفقا للخبير بشؤون الشرق الأوسط بيرتيس. أما أهم هذه الشروط فهي بناء الدولة وإعادة الأمن والنظام، خاصة بعد الاعتداءات الأخيرة على السفارة الفرنسية والقنصلية البريطانية، وقبلها اغتيال السفير الأمريكي. ويضيف بيرتيس بأن "توفير الأمن للبعثات الدبلوماسية وللمؤسسات الاستثمارية الأجنبية العاملة في ليبيا يعتبر أمرا ضروريا".
وفي مصر، هناك مطلبان أساسيان، وفقا لبيرتيس هما أولاً: تأكيد الرئيس مرسي قدرته على اتخاذ القرارات، فحتى الآن عاشت مصر ترددا وعدم قدرة على اتخاذ القرار في بعض الأمور الهامة، كموضوع تخفيض الدعم الحكومي، الذي يعتبر هاما في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. أما الأمر الثاني فهو خلق توافق سياسي داخلي"، وهنا يجب خلق حالة من النظام المبني على التفاهم مع القضاء ومع المعارضة ومع المجتمع المدني، حتى لا يصل النظام إلى طريق مسدود.
وفي مصر أيضا، يبرز اهتمام خاص لدى الغرب بأوضاع الأقليات الدينية. ورغم موجات العنف الأخيرة التي شهدتها البلاد، إلا أن الحكومة الألمانية عبرت عن تمسكها بالحوار مع القيادة المصرية الجديدة. ويرى الخبير بيرتيس بأن الأمر كله مرتبط بوجود الدولة وعملها كدولة. "لابد من وجود تفاهم سياسي ليس بخصوص جميع القوانين، بل حول الدستور على الأقل. وغياب هذا التوافق يجعل الأقليات في وضع غير آمن، وليس لها مكان في العملية السياسية". ويمكن للتوافق المذكور أن يحقق أهدافا أخرى قامت الثورات من أجلها، وخاصة مسألة التقدم في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، واستقلال وسائل الإعلام.
أهمية خاصة لأوروبا في مجال الاقتصاد
العديد من الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا، عاشت أنظمة دكتاتورية في فترات ما من تاريخها ومرت بمراحل انتقالية على طريق الوصول إلى الديمقراطية. وهنا تجد أوروبا نفسها غير معفية من تقديم خبرتها ومساعدتها كي تتقدم المرحلة الانتقالية في دول الربيع العربي. وهذا ما تقدمه ألمانيا، كما يؤكد يواخيم هورستر: "أعتقد أننا اهتممنا باستمرار بالتحول الديمقراطي، كما إننا عرضنا كل أنواع المساعدة الممكنة"، ولكن هورستر يعود ليستدرك بأنه يجب الاعتراف بأن تلك العملية الانتقالية هي "عملية داخلية .. نحن نساعد ولكن لا يمكننا كتابة خارطة طريق للآخرين".
الجانب الأهم الذي تحتاج إليه مصر وتونس، على وجه الخصوص، هو المساعدة في المجال الاقتصادي. النائب البرلماني هورستر يشير هنا إلى أن "التقدم الاقتصادي لتلك الشعوب سيعالج مشاكل كبرى أخطرها البطالة، وهكذا ستُفتح الفرص أمام الشباب، وهنا يأتي دورنا في المساعدة. كما أننا نريد دعم الاستثمارات هناك، ولكن يجب على التونسيين والمصريين التعاون معنا حتى نتمكن من تقديم المساعدة".
ذات الرأي يشاركه فيه فولكر بيرتيس، الذي يعتقد بأن أفضل سياسة لتقديم المساعدات هي تلك التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي بموجب مبدأ ربط الدعم بالتطور والتحسن، أو مبدأ "more for more". ويشرح بيرتيس هذا المبدأ بالقول: "كلما تطورت تلك الدول باتجاه مجتمع مدني حقيقي وتعددية حقيقية وديمقراطية حقيقية، قدمت أوروبا مساعدات أكثر". ومن بين تلك المساعدات: "فتح الحدود أمام مواطني تلك الدول ليعملوا ويستثمروا في أوروبا"، وكذلك تشجيع الاستثمارات الأوروبية هناك. التعاون بحسب بيرتيس يشمل أيضا "التعاون والتبادل بشكل أكبر بين الجامعات، والسماح لآلاف الشباب العاطلين عن العمل من صيادلة ومهندسين وأطباء وغيرهم بأن يكون لهم موطئ قدم في أوروبا".