تركيا.. ماذا تخفي دعوة أردوغان إلى وضع دستور جديد؟
١١ فبراير ٢٠٢١فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الطبقة السياسية بدعوته إلى صياغة دستور جديد في إطار إصلاحات يقول إنه يريد تطبيقها، لكن معارضيه يشككون في دوافعه الفعلية قبل سنتين من انتخابات حاسمة.
وأجرى أردوغان عام 2017 مراجعة معمقة للدستور الحالي العائد إلى 1982 والذي وُضع إثر انقلاب عسكري. وبموجب التعديل الدستوري الذي خضع لاستفتاء انتقلت تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة، ما جعل معارضيه يصفونه بأنه "سلطوي".
لكنه أثار مفاجأة على الساحة السياسية في الأول من شباط/فبراير عبر قوله إنه يؤيد صياغة دستور جديد بالكامل، مشيراً إلى أن كل الدساتير التركية منذ الستينيات صاغتها حكومات منبثقة عن انقلابات عسكرية.
وقال في خطاب: "من الواضح أنه في صلب مشاكل تركيا دساتير صاغها انقلابيون"، وأضاف في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزبه، العدالة والتنمية، يوم الأربعاء (العاشر من شباط/فبراير) أنه الدستور الذي يهدف إلى وضعه "سيكون أول دستور مدني في تاريخ الجمهورية التركية".
وأعلن وزير العدل التركي عبد الحميد غول أن الدستور الذي يدعو اليه أردوغان سيكون "مدنياً وديموقراطياً"، ملمحاً الى أنه سيؤدي -على الأقل نظرياً- الى توسيع الحريات.
المعارضة والمنظمات الحقوقية تشكك
لكن معارضي أردوغان يشككون في رغبته في تطبيق إصلاحات حقيقية، فيما يبدي المدافعون عن حقوق الإنسان قلقهم من تصاعد القمع وتدهور دولة القانون منذ عدة سنوات. وقال زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، وهو أبرز حزب معارض، كمال كيليجدار أوغلو إن "حكومة لا تحترم الدستور المعتمد، لا يمكنها صياغة نص أكثر ديموقراطية ... أخشى أن يؤدي هذا المشروع الى تعزيز النزعة السلطوية".
كما تخشى المعارضة أن تكون النقاشات حول الدستور الجديد مجرد تحويل للأنظار يتيح لأردوغان صرف الانتباه عن آثار الوباء والركود الاقتصادي. وقال إدريس شاهين، نائب رئيس حزب الديموقراطية والتقدم، الذي أطلقه علي باباجان، الحليف السابق لأردوغان، السنة الماضية: "هذه مناورة لتجنب الحديث عن الوضع الاقتصادي، ومشاكل الفلاحين أو التجار وكذلك انتهاكات الحقوق".
"التفاف على العودة إلى النظام البرلماني"
ويرى مراقبون أنه من خلال دعوته إلى دستور جديد سيكون المهندس الرئيسي له، ما يمكن للرئيس التركي أن يلتف على مبادرات أخرى للإصلاح تروج لها المعارضة التي تطالب بالعودة الى نظام برلماني.
وقبل عامين من انتخابات 2023 العامة التي قد تكون معقدة بالنسبة له، يمكن أن يحاول أردوغان أيضاً وبموجب دستور جديد، وضع نظام انتخابي يسهل إعادة انتخابه.
وقالت أيسودا كولمن، الخبيرة السياسية في جامعة "بارد كوليدج" في برلين إن "القاعدة الناخبة للائتلاف الحاكم في طور الذوبان"، مضيفة أنه لم يعد من المضمون بالنسبة لأردوغان أن ينال أكثر من 50% من الأصوات التي يحتاجها لكي ينتخب من الدورة الأولى في عام 2023، ولا حتى أن يتم انتخابه في الدورة الثانية.
وأضافت: "في مواجهة هذا الخطر، يمكنه أن يلجأ إلى خيار نظام بدورة واحدة يمكن أن ينتخب فيها المرشح الذي ينال أغلبية بسيطة من الأصوات".
من جانبه قال غاليب دالاي، الباحث في أكاديمية "روبرت بوش" في برلين ومركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن:"إدراكاَ منه أنه يسير في مسار خاسر، يبحث أردوغان عن صيغة رابحة".
"شق صفوف المعارضة"
ويمكن أن تقوم هذه "الصيغة الرابحة" على أساس اللعب على وتر التوترات الداخلية في صفوف المعارضة التي يمكن أن تتفاقم عبر نقاشات حول مواضيع حساسة مثل المسألة الكردية وكيفية التعامل معها في إطار دستور جديد.
وبحسب دبلوماسي غربي فإن هدف أردوغان قد يكون "شق صفوف المعارضة عبر إرغام الأحزاب على اتخاذ موقف"، ومن ثم تصنيفها إما على أنهم "مدافعة" عن تركيا أو "مناوئة" لها.
ويتهم أردوغان أحزاب المعارضة بـ "التغاضي" عن حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد والذي يعتبره الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني، رأس حربة التمرد الكردي والذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون بأنه "إرهابي".
وقالت كولمن، المحللة في "بارد كوليدج" إن: "الحكومة لا تزال تستخدم هذا التكتيك لتحييد المعارضة ... والمسألة تكمن في معرفة ما إذا كانت الأحزاب ستقع في هذا الفخ عند مناقشة الدستور الجديد. حتى الآن، سقطواً دائماً فيه".
م.ع.ح/أ.ح (أ ف ب)