وجهة نظر: عرش السلطان أردوغان يهتز
١ يناير ٢٠٢٠عندما وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة في عام 2003 كان يوصف آنذاك بأنه إصلاحي ليبرالي يسعى لإلحاق تركيا بالركب الأوروبي. لكن منتقدينه حذروا حتى في ذلك الوقت من أن اردوغان ليس سوى "ذئب في جلد شاة". وقالوا في حينه إن اردوغان لا يركب "قطار الديمقراطية" إلا ليغادره في الوقت المناسب.
وكان المتشككون به على حق: أردوغان نزل من هذا القطار فعلاً ـ بعد أن تمكن من نزع السلطة من خصومه العلمانيين في الجيش وفي القضاء. ومنذ ذلك الوقت يجد أردوغان نفسه في الطريق صوب إقامة سلطنته الخاصة في تركيا، ولتبدأ رحلة العودة إلى الماضي العثماني.
أردوغان يدير عجلة الزمن إلى الوراء
في السنوات التالية لتوليه السلطة، لم يتمكن أحد من إيقاف رحلة أردوغان ـ فقد تمكن بكل قدرة وثقة بالنفس من إزاحة العقبة تلو الأخرى: احتجاجات منتزه غيزي ومن بعدها فضيحة الفساد المالي، كما تمكن أيضاً من النجاة من محاولة انقلاب دون جهد يُذكر. وفي حزيران/ يونيو 2018 دشن اردوغان نظامه الرئاسي في البلاد الذي يمنحه كرئيس للدولة الكثير من السلطات والصلاحيات، ليولد "نظام الرجل الواحد" في تركيا.
ويجلس "السلطان اردوغان" اليوم على عرشه في قصر جديد بـ 1000 غرفة في العاصمة أنقرة، حالماً بأن يعلن في عام 2023 ـ تماماً بعد 100 عام على تأسيس دولة تركيا الحديثة ـ عن عصر عثماني جديد. ولكن قبل بلوغ الهدف بمسافة قصيرة، بدأ عرشه يهتز، فقد شهد 2019 منعطفاً، بات يهدد حلمه بالتلاشي.
الأزمة الاقتصادية وبداية النهاية
سلطة أردوغان بدأت بالتزعزع في صيف 2018، عندما بدأت تأثيرات السياسة الاقتصادية الخاطئة تفعل فعلها. ومن أجل الحفاظ على سياسة المحسوبية والمنسوبية في الاقتصاد، استثمر أردوغان كثيراً في قطاع البناء وبشكل أحادي الجانب. ولهذا أصبح الاقتصاد التركي أقل إنتاجية وبات حالياً في أزمة خانقة بالتزامن مع اضطرابات شديدة في سعر العملة الوطنية. وارتفعت نسبة البطالة، خصوصاً بين الشباب، إلى أرقام قياسية. وساهم ارتفاع الأسعار بشكل خاص على المنتجات الغذائية الأساسية والفواكه والخضروات في انتشار الاستياء بين صفوف السكان على نطاق واسع.
وجاءت فاتورة هذه السياسة على شكل نتائج الانتخابات البلدية في أذار/ مارس، حيث خسر أردوغان أمام معارضيه أهم المدن الكبيرة في البلاد. وكانت خسارة إسطنبول مؤلمة للغاية، إذ تشكل المدينة العملاقة المركز الاقتصادي الأول في البلاد بخزينة بلدية هي الأكبر دون منازع. مال يحتاجه أردوغان للحفاظ على سلطته.
" من يخسر اسطنبول، يخسر تركيا كلها"
ولهذا لم يرغب أدروغان في تسليم السلطة مهما كلف ذلك من ثمن، حيث مارس ضغوطاً شديدة على هيئة الانتخابات وأجبرها على إعادة الانتخابات دون تحقيق النجاح. فقد ظهر نجم سياسي جديد على المسرح السياسي التركي: أكرم إمام أوغلو.
السياسي الاشتراكي الديمقراطي حافظ على هدوئه وواجه حملة الكراهية للحزب الحاكم بلطافة غير معهودة. إمام أوغلو فاز في الجولة الثانية من الانتخابات في إسطنبول على منافسه من معسكر أردوغان، بن علي يلديريم، وبفارق واضح للغاية. ولم يكن ذلك المقلب الأخير: فالوجه الجديد إمام أوغلو يتمتع بشعبية واسعة. ويقال إن له حظوظ كبيرة للمنافسة على منصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ضغط من الداخل والخارج
هزيمة أدروغان المؤلمة جاءت كنتيجة منطقية لسياسة الاستقطاب التي مارسها والتي انتقمت منه أخيراً. لقد توحدت مختلف القوى السياسية في تركيا، قوى إسلامية وقوميون واشتراكيون ديمقراطيون ويساريون ليبراليون، كل هذه القوى توحد بوجه العدو المشترك أردوغان رغم كل الاختلافات التي تفصل بعضهم عن البعض.
من جانب آخر، تنهار سلطة أردوغان حتى داخل معسكره، فقد قدم قرابة مليون عضو من حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، استقالته من الحزب. كما بدأ رفاق دربه السابقون ـ مثل رئيس الوزراء السابق أحمد داووأوغلو ووزير المالية الأسبق علي باباجان والرئيس السابق للبلاد عبدالله غول ـ بتأسيس أحزاب سياسية مستقلة عن أردوغان. هؤلاء سيحصدون أصواتاً كثيرة من المعسكر المحافظ التي كانت لحد الآن تذهب لحساب أردوغان وحزبه.
لقد تمكن أردوغان بطاقته على المقاومة وإرادة قوية من أن يتحول إلى سلطان لتركيا. وبدا بسلطاته الواسعة التي تشبه النظام الملكي المطلق، وكأنه يجلس على عرشه دون منازع. لكن عام 2019 حمل رياح التغيير وبدأت الأمور تسير ضد السلطان. ففي عام 2023 سيحتفل الأتراك بالذكرى المئوية لتأسيس دولة تركيا الحديثة وهو نفس اليوم الذي تم فيه إلغاء نظام السلطنة في البلاد.
دانييل ديريا بيلوت