انتقادات واسعة للنظام الجامعي الجديد بعد ثلاث سنوات من تطبيقه
١٨ نوفمبر ٢٠٠٩حينما خرج ما يقارب الربع مليون من طلاب الجامعات والمدارس العليا إلى شوارع كبرى المدن الألمانية للتنديد بالظروف السائدة في جامعاتهم ولمطالبة الحكومة بالتراجع عن الإصلاح الجامعي الجديد، كان رد الوزيرة الفيدرالية للتعليم العالي والبحث العلمي أنيته شافان كالتالي: " لقد تجاوزنا مرحلة هذه المطالبات، لأن من يزعم أنه من المفروض إلغاء نظام الماجستير والبكالوريوس، فإنه قد يجهل أن ألمانيا هي جزء لا يتجزأ من أوروبا وأنه لا بديل عن اتفاق بولونيا الذي يُعمل به حاليا في أكثر من ستة وأربعين دولة. لا يمكن الزعم أن هذا النظام غير صالح في ألمانيا".
"إصلاح جيد، لكن بتحفظات"
اتفاق بولونيا هذا، هو اتفاق أجمعت عليه دول الاتحاد الأوروبي في مؤتمر تم عقده في مدينة بولونيا الإيطالية سنة 1999، وتم إقراره بهدف توحيد الأنظمة الجامعية في أوروبا. ومن أهداف هذا الإصلاح الجامعي تسهيل الدراسة للطلاب خارج بلدانهم وتأهيلهم بشكل أسرع لسوق العمل.
لكن اتفاق بولونيا، وبعد ثلاث سنوات من دخوله حيز التنفيذ في ألمانيا، يبقى بعيداً عن تحقيق الأهداف المنشودة، الأمر الذي يزيد من عدد منتقديه. وتعلو الأصوات المنتقدة لهذا النظام حتى بين هؤلاء الذين لا يرفضونه كما هو الحال بالنسبة لآنا كوبرس مثلاً، طالبة العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة بون وعضوة مجلس الطلاب هناك. الطالبة آنا كوبرس، وإن كانت تنادي هي الأخرى بالإصلاح الجامعي، مثلها مثل الوزيرة أنيته شـافان، لكن تبقى لديها تحفظات عديدة على النظام الحالي.
مناهج غير موحدة وامتحانات لا يمكن معادلتها
وكما تقول كوبرس، فالمشكلة "هي أن تطبيق الإصلاح ما يزال متعثرا بشكل كبير ولا يسير كما كان مُـخططاً". وهي تنتقد ثلاث نقاط أساسية في النظام الجامعي الجديد، وهي تكدس جداول الحصص وصعوبة التنقل من جامعة لأخرى داخل البلد أو خارجه وصعوبة إكمال الدراسة والحصول على شهادات أعلى.
وتشير كوبرس إلى أن هذا التنقل بين الجامعات كان من أهم الأسباب التي دفعت البلدان الأوروبية إلى توقيع اتفاقية بولونيا، لكن الاختلاف الكبير في المناهج بين الجامعات يصعب من معادلة الامتحانات التي يجتازها الطلاب. وتضيف في هذا الإطار: "من الصعب الانتقال حتى من جامعة بون إلى جامعة كولونيا، فما بالك بجامعة في فرنسا أو إسبانيا". كذلك تشدد كوبرس على عدم قدرة الطلاب على قضاء فصول دراسية خارج ألمانيا بسبب ضيق الفترة الزمنية التي يفرض النظام التعليمي الجديد عليهم إتمام دراستهم فيها، والتي لا تتجاوز في العادة مدة ثلاث سنوات، إذ أن أغلب الجامعات لم تقم بتغيير المناهج أو بتقليص حجم المواد التي كانت تدرس قبل دخول الإصلاح الجديد حيز التنفيذ، على الرغم من تقليص مدة الدراسة.
شهادة بلا قيمة؟
من جهة أخرى، وما يثير انتقاد آنا كوبرس الشديد، هي العوائق التي تضعها بعض الجامعات في وجه الطلاب الحاصلين على شهادة البكالوريوس، والذين يرغبون في إتمام دراستهم والحصول على شهادة أعلى. فحسب بعض الإحصائيات، فإن ثلاثين بالمائة فقط من حاملي شهادة البكالوريوس يحصلون على فرصة الاستمرار في الدراسة. هذه الخطوة قد تكون ضرورية بالنسبة لبعض الطلاب حتى يتمكنوا من الحصول على فرصة عمل، كما تضيف قائلة: "المشكلة هي أن شهادة البكالوريوس لا تحظى بقيمة كبيرة في سوق العمل وأن حظوظ حاملي هذه الشهادة أسوأ بكثير مقارنة بزملائهم الحاصلين على شهادات أخرى".
وسبب ذلك في رأيها هو عدم ثقة الكثير من أرباب العمل في القدرات العملية والتقنية لحاملي شهادة البكالوريوس لصغر سنهم. فمدة البكالوريوس لا يفترض أن تتجاوز الثلاث سنوات، وحسب الاعتقاد السائد، فإن طلاب البكالوريوس يقضون أغلب أوقاتهم في الجامعة، نظرا لجدول الحصص المكدس، ولا يستطيعون جمع خبرات في مجالات أخرى أو الاحتكاك بميدان العمل.
"الحل في النظام المزدوج"
عدم إمكانية إتمام الدراسة بعد البكالوريوس قد يكون له انعكاس على مستقبل البحث العلمي أيضا، حيث سيقل عدد أولئك الذين سيكون بإمكانهم العمل في الجامعات وبلوغ مستويات أكاديمية عالية كالدكتوراة مثلا. وهذا ما يؤرق فالتر كريمر أستاذ علم الإحصاء في الجامعة التقنية لمدينة دورتموند، الذي يسعى إلى إعادة إدخال النظام القديم في جامعته إلى جانب النظام الجديد.
كريمر ينتقد فرض جداول حصص مقيدة على الطلاب تخلق في الجامعة أجواء شبيهة بتلك التي تسود في المدارس، حيث يقال للطلاب في أي وقت يتوجب عليهم حضور هذا الفصل أو ذاك. ويضيف أن "هذه الأجواء بعيدة عن فلسفة الدراسة بالجامعة وعن روح البحث العلمي، التي تفرض نوعاً من الحرية، سواء تعلق الأمر بالمواد التي يرغب الطلاب في تعلمها أو فيما يتعلق بتنظيم جداول حصصهم".
ويتطلع كريمر من خلال النموذج المزدوج الذي يسعى لتطبيقه، إلى إعطاء الطلاب الحرية في اختيار نموذج الدراسة المناسب لهم. وهو يوصي الطلاب بأقلمة دراستهم مع تطلعاتهم المستقبلية: "إذا كنت ترغب في أن تصبح مديرا في شركة ما وأن تكسب الكثير في سن مبكرة، فما عليك إلا أن تختار النظام الجديد. أما إذا كنت تطمح إلى أن تصبح باحثا كبيرا وإلى تغيير العالم، فادرس حسب النظام القديم".
الكاتب: خالد الكوطيط
مراجعة: سمر كرم