ألمانيا تعاني من قلة المتخصصين في علوم الطبيعة
٢٩ يوليو ٢٠٠٩لا تزال الأزمة الاقتصادية والمالية تؤثر بشدة على الاقتصاد العالمي، ويتضح تأثيرها بشكل واضح في البطالة المتزايدة. ويرى بعض الخبراء أنه إذا لم تخف حدة هذه الأزمة، فإن عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا قد يصل في العام القادم إلى خمسة ملاين شخص. هذه البطالة تمس بوجه خاص القوى العاملة غير المؤهلة جيداً، بينما يندر أن يشتكي المؤهلون بشكل عال من نقص في أماكن العمل. إذ ينقص المؤسسات الاقتصادية الآن، وفي ظل الأزمة الاقتصادية أيضا، متخصصون في مجالات الرياضيات والمعلوماتية وعلوم الطبيعة والهندسة.
"العلوم الهندسية صعدت بألمانيا إلى مصاف الدول الرائدة"
إن من يتصفح صفحة الوظائف الشاغرة في كبريات الصحف في ألمانيا، أو صفحات الوظائف الشاغرة على شبكة الإنترنت، يلاحظ من الوهلة الأولى أن المهندسين لا يزالون هم المطلوبين، وسواء في ذلك المهندسون المتخصصون في الهندسة الميكانيكية أو في هندسة صناعة السيارات أو في الهندسة الكهربائية أو في الهندسة المعمارية. فرغم الأزمة الاقتصادية تحتاج الشركات الألمانية حالياً إلى ستين ألفا من القوى العاملة المتخصصة في مجالات الرياضيات والمعلوماتية وعلوم الطبيعة والهندسة، التي تعتبر مجالات ذات أهمية قصوى بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الألماني، كما يقول توماس زاتيلبيرغر، رئيس إدارة شؤون العاملين في شركة تيليكوم الألمانية. ويضيف زاتيلبيرغر بالقول: "إن الابتكارات التي توصلت إليها علوم الطبيعة والعلوم الهندسية صعدت بألمانيا إلى مصاف الدول الرائدة ذات الاقتصاد المتطور بشكل جيد. وفي مثل هذه الابتكارات يكمن أيضا مستقبل ألمانيا".
ومن هنا فإن قطاع الاقتصاد في ألمانيا يدق ناقوس الخطر منذ وقت طويل، وأطلقت قبل عام مبادرة "علوم الطبيعة تصنع المستقبل"، وجعلها أساساً لكل مبادرات المؤسسات الاقتصادية على مستوى البلاد. وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع مزيد من الشبيبة على دراسة علوم الطبيعة والهندسة.
الثغرة تزداد اتساعا
بيد أن هذا الهدف يستلزم الكثير من الوقت، إذ من المعتاد أن يحتاج تلاميذ الصف العاشر في المدارس الألمانية المتحمسون لدراسة هندسة وعلوم أبحاث الفضاء إلى عشر سنوات حتى يصبحوا متخصصين في علوم الفلك أو مهندسين في أبحاث الفضاء. كما أن ربع الطلبة الذين يدرسون الرياضيات أو المعلوماتية أو علوم الطبيعة أو الهندسة، يتوقفون عن مواصلة الدراسة حتى التخرج. ومن هنا فإن عدد خريجي الجامعات في هذه التخصصات أقل بكثير من عدد من يبحث عنهم قطاع الاقتصاد. عن هذا يقول هانز- بيتر كلوس، الخبير في شؤون التأهيل وسوق العمل في معهد الاقتصاد الألماني، بأنه مع نهاية الانكماش الاقتصادي على أقصى تقدير سيزداد النقص في عدد المتخصصين في هذه المجالات.
يضاف إلى ذلك العامل الديموغرافي؛ فبالنسبة لهذه التخصصات المطلوبة يودع أماكن العمل الخاصة بها سنويا حوالي ستين ألف شخص بسبب التقدم في السن. وحلاً لهذه المشكلة اقترحت بعض الشركات تعديل التخصصات النظرية المحضة، والتقليل من المطالب الدراسية التي يُلزم بها الطلبة. بيد أن إرنست ميسرشميد، الأستاذ في معهد أبحاث الفضاء في جامعة شتوتغارت، يرفض هذا الاقتراح بصورة قطعية قائلاً: "لا نزال كلنا نريد المعلومات والقدرات المتميزة، عندما نستقل إحدى الطائرات. ولذلك فإن المحتم ألا يحصل أي مهندس على شهادة البكالوريوس الجامعية فحسب، وإنما أن يتقن مهنته أيضا".
ويوافقه في ذلك رئيس إدارة شؤون العاملين في شركة تيليكوم الألمانية، توماس زاتيلبيرغر، الذي يوصي رغم ذلك بإصلاح عملية الإصلاحات الأكاديمية. ويؤكد الخبير الألمانية أن من الواجب أن يُتاح للطلبة المزيد من الوقت لإتمام دراساتهم، كما يرى أنه ربما يتوجب العدول عن نظام الدراسة ستة فصول دراسية فقط للحصول على شهادة البكالوريوس الجامعية.
ومن ناحية أخرى يناشد توماس زاتيلبيرغر الطلبة ألا يؤدي بهم القلق بسبب الأزمة الاقتصادية إلى تغيير نظرتهم بالنسبة لمجالات الوظائف. ويعتبر أن الحصول على شهادة في علوم الطبيعة أو في الهندسة يتيح في أي وقت فرصا جيدة للحصول على مكان عمل، مضيفا أن هذا يتضح أيضاً في برامج قطاع الاقتصاد التي تهدف إلى الربط بين الخريجين وسوق العمل حتى في المجالات غير المزدهرة. إن المسؤولين في المؤسسات الاقتصادية متفقون على أن الأفكار الجيدة متوفرة بشكل كاف في ألمانيا. ولكن إذا ما نقص المهندسون فسيصبح من الصعب النجاح في المنافسات الدولية مستقبلاً.
الكاتب: سابينه كينكارتس/ محمد الحشاش
مراجعة: عماد م. غانم