المهاجرون القصّر.. قضية إنسانية شائكة بين المغرب وأوروبا
٢ يونيو ٢٠٢١"تسوية نهائية" لقضية القاصرين المغاربة الموجودين في وضع غير قانوني في أوروبا، هذا ما يريده العاهل المغربي الملك محمد السادس، وفقاً لبيان رسمي مغربي صدر الثلاثاء (الأول من حزيران/يونيو 2021) في الرباط.
وأكد بيان مشترك لوزارتي الداخلية والخارجية أن "المغرب مستعد للتعاون، كما فعل دائماً، مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية هذه المسألة". ورغم أن البيان جدد "التزام المملكة الواضح والحازم بقبول عودة القاصرين غير المصحوبين الذين تم تحديد هويتهم على النحو الواجب"، إلا أنه أشار إلى "بطء" عملية استعادة المهاجرين القاصرين، معيدا ذلك إلى "عوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية".
ويأتي البيان المغربي في وقت تبذل فيه إسبانيا جهوداً كبيرة للتعامل مع تدفق القاصرين الى جيب سبتة الإسباني، بعد موجة الهجرة التي أثارها تخفيف الضوابط الحدودية من الجانب المغربي.
عددهم بالآلاف
في الفترة الممتدة من 17 إلى 20 أيار/مايو 2021، دخل حوالي 10 آلاف شخص، معظمهم من الشباب المغربي المستعدين للمخاطرة بحياتهم على أمل مستقبل أفضل، إلى جيب سبتة الإسباني بدون عوائق. وأُعيد معظم المهاجرين على الفور إلى المغرب، لكن ظل فيها حوالي 1500 قاصر، وفقاً للسلطات الإسبانية، و2000 قاصر بحسب منظمة العفو الدولية. وبحسب جمعيات مغربية غير حكومية، يبلغ عدد القاصرين المغاربة في أوروبا، من المهاجرين بطريقة غير قانونية، نحو 20 ألف شخص، معظمهم في فرنسا وإسبانيا.
أزمة قديمة متجددة
وحتى قبل الأزمة الأخيرة في سبتة، كانت قضية القاصرين المغاربة في كل من إسبانيا وفرنسا، تثير العديد من المشاكل بين الرباط من جهة، ومدريد وباريس من جهة أخرى. ففي شباط/فبراير الماضي، استدعت الخارجية المغربية، السفير الإسباني لديها، ريكاردو دييز هوشلايتنر، احتجاجاً على اعتداء شرطة بلاده على قاصرين مغاربة، فيما قادت القضية نفسها، وزير العدل الفرنسي، إريك ديبون موريتي، إلى الرباط في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
كيف تتعامل إسبانيا مع المهاجرين القاصرين؟
تقوم إسبانيا، بحسب تصريحات رسمية، بإيواء المهاجرين القاصرين غير المصحوبين بذويهم في مراكز تديرها السلطات المحلية التي يجب أن تدرس كل حالة على حدة لتقرر ما إذا كانت ستعيد الشخص إلى المغرب أو تبقيه في إسبانيا. ورغم أنه يتم تسجيل أولئك الموجودين في المراكز ويُقدم لهم الطعام واللباس وأماكن للنوم بعد إخضاعهم لاختبار كوفيد-19، إلا أن كثيرين غيرهم ينامون جوعى في العراء في الحدائق أو في مداخل الأبنية، كما أفاد مسؤولون في سبتة.
واعترف مسؤولون في سبتة بأن استقبال عدد كبير من القاصرين يتجاوز قدراتهم، مطالبين مناطق إسبانيا السبع عشرة الأخرى بإظهار التضامن معهم. ووافقت مناطق إسبانية بعد ذلك على استقبال 200 قاصر غير مصحوبين بذويهم ممن كانوا موجودين في سبتة لتوفير مساحة للوافدين الجدد.
هل أعادت إسبانيا قاصرين إلى المغرب؟
رغم أن عدة منظمات غير حكومية أشارت إلى أن القانون الأوروبي لا يسمح بإعادة القصّر إلى المغرب بدون دراسة حالتهم بالتفصيل، اتهمت بعض المنظمات، ومنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إسبانيا بترحيل مهاجرين قاصرين أيضاً في خضم الأزمة في سبتة.
وندد عمر ناجي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة الناظوربـ"ترحيل قاصرين من قبل السلطات الإسبانية في انتهاك للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقع عليها كلا البلدين"، مشيراً إلى أن السلطات الإسبانية "لم تكن ترحل القاصرين في أوقات سابقة".
ما الذي يعيق ترحيل المهاجرين القاصرين؟
تشدد القوانين الأوروبية على ضرورة حماية القاصرين بشكل خاص. وبحسب اتفاقية دبلن التي تؤطر كل ما له علاقة بالحماية الدولية في دول الاتحاد الأوروبي، "فالمصلحة العليا" للطفل هي مبدأ أساسي في أوروبا. وجاء في الاتفاقية: "المصلحة العليا للطفل يجب أن تكون أول اعتبار في الدول الأوروبية. وينبغي لها أن تراعي على النحو الواجب حياته اليومية وتنميته الاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار سلامته وأمنه، ورأي القاصر وفق عمره ونضجه".
ولا يعامل المهاجر القاصر معاملة البالغ. فبالنظر للقوانين الخاصة بالقاصرين في أوروبا، يجب أن تأخذ دول الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار "المصلحة العليا" للطفل، أي حماية سلامته الجسدية والفكرية والاجتماعية، وفقاً لعمره ومهما كان وضعه القانوني. وبموجب القوانين الأوروبية والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، القاصر "يبقى قاصراً قبل أن يكون مهاجراً".
وفي حكم صدر بداية العام الجاري، قضت محكمة العدل الأوروبية بمنع ترحيل القاصرين غير المصحوبين، إلا في حال تأكدت السلطات من وجود أقارب أو مؤسسة مناسبة ترعاهم في بلدانهم الأصلية، وهذا ما قد يزيد تعقيد القضية بالنسبة للدول الأوروبية التي قد ترغب بترحيل المهاجرين القاصرين، كإسبانيا، والدول الأصلية التي تريد استعادة مواطنيها، كالمغرب.
ما سبب رغبة الشباب المغاربة بالهجرة إلى أوروبا؟
يعد الانقطاع عن الدراسة معضلة كبيرة في المغرب، إذ طال أكثر من 300 ألف تلميذ العام الماضي، وفق أرقام رسمية. وعموماً يجد غالبية الشباب بين سن 15 و34 عاماً أنفسهم على "هامش النمو الاقتصادي"، وفق تقرير رسمي صدر عام 2018 أشار إلى أن 82 بالمئة منهم لا يمارسون أي نشاط.
محيي الدين حسين