دموع اليُتم والحرمان .. مأساة الصبي المغربي المهاجر!
٢٩ مايو ٢٠٢١قصتة تشبه إلى حد كبير أفلام الأكشن والمغامرات، فقد كان هو البطل، الذي غامر بحياته وعاش لحظات اليأس والإحباط ومن ثم النهاية السعيدة. طفل بجسم نحيل تحفه قنينات بلاستيكية فارغة، استعان بها كي تُبقيَه على سطح الماء، حاول السباحة إلى جيب سبتة الإسباني الأسبوع الماضي. نجح في العبور، غير أن حلمه أجهض بعد أن قبض عليه جندي إسباني في اللحظات الأخيرة، انهارت دموعه وهو لا يزال وسط البحر وأعادته السلطات الإسبانية إلى المغرب. في جل اللقاءات الصحفية السابقة معه عند عودته للمغرب، عبر أشرف عن رغبته الشديدة للهجرة من أجل تحسين وضعيته ووضعية أسرته في المغرب، وقال في أحد اللقاءات السابقة له: أريد أن يساعدني المواطنون المغاربة للإنتقال إلى تلك البلاد الزوينة (الجميلة) والسعيدة" في إشارة إلى أوروبا.
رغم محاولات الكثيرين إقناعه بالعودة، رفض التخلي عن حلمه بالهجرة إلى الضفة الأخرى. وبعد أن تحولت قصته إلى حديث وسائل الإعلام العربية والعالمية، نجحت إحدى المؤسسات الخيرية في المغرب في الوصول إلى الطفل أشرف وإقناعه بالعدول عن فكرة الهجرة غير الشرعية والعودة إلى حضن أسرته الصغيرة، بعد أن تعهدت بالتكفل به وضمان مستقبل أفضل له في بلده.
على صفحته على موقع "فيسبوك"، نشر رجل أعمال مغربي ومؤسس مؤسسة "عطاء" الخيرية، يدعى جلال اعويطا، نداء طلب فيه مساعدته للوصول إلى الطفل أشرف. لم تمض سوى بضع ساعات، حتى نشر أعويطا تدوينة أخرى على صفحته على فيسبوك، أرفقها بصورة له برفقة أشرف. شكر من خلالها متابعيه الذين تفاعلوا مع النداء وكانوا السبب في لقاءه بأشرف. كما أوضح اعويطا في نفس التدوينة، طبيعة المساعدة التي سيقدمها للطفل حتى يتمكن من بناء مستقبل أفضل. فقد كشف أن مؤسسته ستتكف بتحويل أشرف وأسرته الصغيرة من منزلهم العشوائي إلى سكن لائق الأسبوع المقبل. وتسجيل الطفل في مؤسسة للتكوين في الحلاقة أو صناعة الألومنيوم، بناء على رغبته، فضلا عن إلحاقه بنادٍ رياضي.
دموع خلفها مأساة يُتم وحرمان
كثيرون شاهدوا دموعه وسط البحر وانهياره بعد أن باءت محاولاته بالإنتقال إلى الضفة الأخرى بالفشل، غير أن خلف تلك الدموع مأساة سنوات طويلة. الفتى ذا الستة عشر ربيعا، عاش اليُتم منذ أن كان عمره ثلاثة أيام فقط، تكفلت بتربيته سيدة وزوجها وبعد أن توفيا احتضنته سيدة أرملة وهي بدورها أم لثلاثة أيتام. بأحد الأحياء العشوائية الفقيرة بمدينة الدار البيضاء، والمعروف بـ كريان الرحامنة بحي سيدي مومن، عاش أشرف برفقة والدته بالتبني وأطفالها الثلاثة. بسبب الفقروالظروف الإجتماعية الصعبة للأسرة التي احتضته، غادر أشرف فصول الدراسة عند مرحلة الخامس الابتدائي للبحث عن عمل يعيل به نفسه وأسرته.
DWعربية تواصلت مع السيدة التي تكفلت بالطفل أشرف والتي كشفت عن ظروف عيشه: "بعدما توفيت السيدة التي كانت تتكفل بتربيته من قبل، أحضرته منذ ست سنوات للعيش معي وقد كان عمره آنذاك لا يتجاوز التسع سنوات". طموحه أكبر من واقعه يحلم بمنزل نظيف وملابس نظيفة وأكل جيد وأشياء كثيرة لا أستطيع توفيرها له. رغم أني أعمل ما بإستطاعتي كي أوفر له ما يحتاجه على قدر استطاعتي، لأني بدوري أم أرملة لثلاثة أطفال أيتام وليس لدي عمل قار أعيل به عائلتي".
في شهر فبراير/ شباط الماضي غادر أشرف المنزل للبحث عن عمل في مكان آخر. لكن عندما لم يعد، أخبرت والدته بالتبني الشرطة عن غيابه ومنذ ثلاثة أشهر وهي تبحث عنه، إلى أن شاهدت صوره على الإنترنيت وقالت: "فكرة الهجرة لم تكن متداولة في محيطنا وهو نفسه لم يمكن يتحدث عنها إلى أن شاهدت مقطع الفيديو المتداول وكانت مفاجأة بالنسبة لي".
كشفت السيدة أن المحيط الذي تعيش فيه الأسرة حاليا، سيء للغاية وإن لم يجد أطفال مثل أشرف من يحتضنهم قد ينساقوا إلى مصير أسوأ بكثير. وعن محاولاتها التحسين من واقع أشرف وضمان مستقبل أفضل له، قالت السيدة: "حاولت إعادته إلى فصول الدراسة لكن لم يتم قبوله بحجة أنه قد مضى وقت طويل على تخليه عن الدراسة". وأضافت أن أشرف طفل ذكي وسريع البديهة لهذا ألحقته بأحد المساجد لحفظ القرآن، كما كان يريد تعلم حرفة ما للعيش". وعن الجمعية التي أعلنت تكفلها به قالت أنه تم الإتفاق على تسجيل الطفل بإحدى مدارس تعلم اللغة إلى جانب تعلم مهنة الحلاقة، فضلا عن كراء منزل للأسرة لمدة سنة".
هروب آلاف الأطفال المغاربة نحو سبتة
صورة الطفل أشرف ودموعه التي هزت العالم وهو يصارع البحر بحثاً عن مستقبل أفضل، تختصر مأساة الآلاف من الأطفال غيره، كما أشار أيضاً جلال أعويطا الذي تكفل بأشرف في تدوينته على فيسبوك.. أعلم أن هناك صوراً كثيرة للآلاف مثل أشرف لم تصلنا وأن هناك مشاهد لم يتم التقاطها أصلا كانت أشد وأقوى، نحن أمام واقع صعب جدا. صدقوني .. يجب أمام هذا العجز الحكومي الحاصل أن تتضاعف جهود الجميع من أجل عمل اجتماعي تضامني قوي حتى نتجاوز الأزمات الحالية". وتابع: "اعتذرت لأشرف عن تقصيرنا، وأجدد اعتذاري لأمثال أشرف من الأيتام الذين لم نستطع كمجتمع كفالتهم والوقوف بجانبهم وسد حاجياتهم وتعويض حرمانهم .. سمحو لينا بزاف والله العظيم".
حاولت DW عربية التواصل مع اعويطا للتعرف على عمل الجمعية أكثر، لكن دون جدوى. وقد كشف اعويطا في تصريح سابق له للجريدة الإلكترونية المغربية "هسبريس" أنه يحاول إبعاد أشرف عن وسائل الإعلام، كون نفسيته متأزمة في الوقت الحالي بسبب ما عاشه، ويؤكد أن أشرف في أياد آمنة، وأن وضعه سيكون أفضل مستقبلا وقال: "لأننا سنكون أصدقاء له".
من جهة أخرى أفادت السلطات الإسبانية أن نحو ألف مهاجر قاصر ما زالوا في جيب سبتة بعدما تمت إعادة حوالي 7500 شخص إلى المغرب منذ بداية الأسبوع الماضي. يتجول هؤلاء القصر الذين جاؤوا بمفردهم في الشوارع إذا لم يحالفهم الحظ وتم إيواؤهم في مراكز تديرها السلطات المحلية التي يجب أن تدرس كل حالة لتقرر ما إذا كانت ستعاد إلى المغرب أو تبقى في إسبانيا. لكن وفق مسؤولين إسبان، نقلا عن صحيفة "الغارديان" البريطانية فإن حكومة مدينة سبتة حددت حوالي 438 طفلًا ومراهقًا وصلوا دون مرافقين، ويتم إلقاء القبض على المزيد منهم بينما يجوب موظفو الخدمات الاجتماعية حدائق المدينة والشوارع.
ذكرت الصحيفة البريطانية نقلاً عن وسائل إعلام محلية، أن العديد من القاصرين الفارين قد ينامون في العراء في الحدائق وفي شوارع سبتة دون أي موارد مالية أو رعاية اجتماعية. كما طالب مسؤولون في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 85 ألف نسمة بالمساعدة من المناطق الإسبانية. وقال كارلوس رونتومي، أحد نواب زعماء المدينة، في تصريح للإذاعة الوطنية الإسبانية هذا الأسبوع: "لا يمكننا التعامل مع الأمر، فهناك عدد كبير للغاية من الأطفال".
بعد أن أطلق مسؤولون في المدينة خطاً ساخناً من أجل لم شمل الأطفال بعائلاتهم في المغرب، ذكر التقرير أن حكومة سبتة تلقت حوالي 4400 مكالمة هاتفية من أسر الأطفال المفقودين في سبتة.
الكاتبة: إيمان ملوك