"المجتمع المدني المغربي تمكن من كسر الصمت حول ظاهرة العنف الأسري"
٢٥ نوفمبر ٢٠٠٩يعتبر العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية تتعدى الحدود الإقليمية ولا تقتصر على بلد معين أو ثقافة معينة. بيد أنها تنتشر في مناطق من العالم أكثر من غيرها والأسباب تختلف من منطقة إلى أخرى. ففي المناطق التي تشهد حروبا أهلية أو نزاعات مسلحة عادة ما تكون النساء أول من يسقط ضحية للعنف الجسدي أو الجنسي، فيما تعود هذه الظاهرة في بعض المناطق الأخرى إلى ترسبات ثقافية وموروثات اجتماعية.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه هذه الظاهرة في عدد من الثقافات محفوفة بالتكتم والتستر، تكافح المنظمات الحقوقية والنسائية منذ سنوات في المغرب من أجل القضاء على ظاهرة العنف الأسري من الخارطة الاجتماعية المغربية. وأثمر العمل الجمعوي قبل بضع سنوات على اعتراف السلطات الرسمية المغربية باستفحال ظاهرة العنف ضد المرأة وإطلاق مبادرات على الصعيد الوطني لمحاربتها.
كسر حاجز الصمت
في هذا الإطار وتزامنا مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة حرصت الحكومة المغربية على تنظيم حملة على الصعيد الوطني تمتد من 25 من الشهر الجاري إلى العاشر من الشهر المقبل وذلك للمرة السابعة على التوالي. وعلى مدى أسبوعين تحاول الأجهزة الحكومية المكلفة بشؤون المرأة إلى جانب عدد من المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة من خلال تظاهرات إعلامية وورشات عمل وندوات ومحاضرات، توعية مختلف شرائح المجتمع المغربي حول تداعيات ظاهرة العنف ضد المرأة.
من جهتها، تؤكّد بشرى عبدو، من المنظمة النسائية "الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة"، على أهمية هذه الحملات الوطنية "لما تلعبه من دور في توعية المجتمع، وفي تكوين الشباب والأجيال الناشئة حول ضرورة احترام المرأة وحقوقها وصون كرامتها ونبذ شتى أشكال العنف ضدها". وتعد هذه الحملة الوطنية ثمرة جهود طويلة لمكونات المجتمع المدني، على غرار الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة التي تقدم أيضا مختلف الخدمات لضحايا العنف الأسري من النساء. وتشمل هذه الخدمات بيت لإيواء ضحايا العنف وخط أخضر بالإضافة إلى 15 مركزا للاستماع في مختلف أنحاء المملكة المغربية بالإضافة إلى توفير العناية الطبية والاستشارات القانونية.
"ظاهرة العنف لا تمس شريحة معينة من المجتمع"
وتشير بشرى عبدو في حديث مع دويتشه فيله إلى أن "عدد اللواتي تعرضن للعنف في تزايد مستمر وأن العنف أصبح يتّخذ أشكالا أكثر خطورة كالتسبب في ترك عاهات مستديمة أو التهديد بالقتل". لكن هذا الارتفاع لا يعني بالضرورة استفحال ظاهرة العنف في المغرب وإنما يعكس تغير عقليات النساء اللواتي أصبحن يتجرأن على الشكوى، حينما يتعرضن للعنف. الأمر الذي تعزوه فوزية العسولي، رئيسة "الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة"، إلى "الكفاح الطويل والجهود الجبارة التي بذلتها مكونات المجتمع المدني لكسر الصمت الذي كان يكتنف ظاهرة العنف الأسري".
وتفسر عسولي التكتم والتستر على أعمال العنف داخل الأسرة بـ "أن البعض لا يزال ينظر إلى هذه الظاهرة بأنها أمر خاص ولا يجوز الحديث عنه علنا". وبالتالي فإن تعرض المرأة للعنف الجسدي أو اللفظي من قبل والدها أو زوجها أو أي فرد ذكوري من أسرتها، يراه البعض على أنه "أسلوب تأديبي مسموح به". ووفقا لعدد من الإحصائيات الرسمية وأخرى أنجزتها منظمات حقوقية مغربية فإن ظاهرة العنف الأسري لا تقتصر على طبقة اجتماعية معينة، بل تكاد تمس نساء بمختلف انتماءاتهن الاجتماعية ومستوياتهن الثقافية والتعليمية. بيد أن النساء الفقيرات والأميات أو ذات المستوى التعليمي البسيط يشكلن أكثر الضحايا.
الأمية والفقر يحولان دون تطبيق قوانين المساواة بين المرأة والرجل
وتعزو الحقوقية المغربية وجود ظاهرة العنف، التي لا تقتصر على المجتمع المغربي فحسب، أيضا إلى "سيطرة ذكورية موروثة تاريخيا"، مشيرة إلى "تقاليد موروثة في تربية الأطفال"، بحيث يتلقى الأولاد والبنات تربية مختلفة بحسب أدوارهم في المجتمع مستقبلا. ففي الوقت الذي تربي فيه البنت "على الخضوع والخنوع"، ينشأ الولد على "أن يكون قويا وقادرا على تقمص الدور الرئيسي في العائلة". وعليه تطالب فوزية عسولي "بسياسة تعليمية تعمل على مناهضة العنف ودحض الصور النمطية والتربية على المساواة بين الجنسين".
الجدير بالذكر في هذا السياق أن المغرب صادق عام 2004 على مدونة الأسرة المغربية الجديدة، التي حسنت من وضعية المرأة وساوتها مع الرجل في الكثير من النقاط أمام القانون. لكن فوزية العسولي تشير إلى أن "انتشار الأمية خاصة في صفوف النساء في المناطق النائية وتبعيتها الاقتصادية للرجل حال دون تطبيق القوانين الجديدة". وبالتالي ترى "بأن التعديلات القانونية لم تؤد إلى "تطور وضعية المرأة وحمايتها من العنف داخل الأسرة على أرض الواقع".
مطالب بتعديلات قانونية لحماية المرأة من العنف الأسري
على صعيد آخر، وفي محاولة منها للحد من ظاهرة العنف الأسري تبنت الحكومة المغربية إستراتيجية وطنية تتضمن عددا من الإجراءات، كإطلاق خط أخضر لتقديم التوجيه الاجتماعي والمساعدة النفسية والقانونية لضحايا العنف الأسري. لكن هذه الإجراءات تظل في نظر عدد من المنظمات الحقوقية المغربية غير كافية وتطالب بـ "قوانين زجرية وآليات حكومية مؤسساتية لها إمكانيات وصلاحيات واسعة للقضاء على العنف ضد المرأة".
كما تطالب هذه المنظمات بتشديد العقوبات على المعتدين على النساء وبحذف المادة في القانون الجنائي المغربي، التي تنص "على ضرورة أن تستعين المرأة بشهود" لإثبات تعرضها للعنف، في الوقت الذي "تحدث فيه عادة هذه الحالات في الإطار الأسري الضيق، بين المرأة وزوجها، أو أحد من أفراد أسرتها"، بحسب فوزية العسولي. وعلى الرغم من أن عددا من المسؤولين المغاربة كانوا أعلنوا أكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الماضية عزمهم إدخال تعديلات على القوانين لتعزيز حماية المرأة من ظاهرة العنف الأسري، إلا أنه لم يتم حتى الآن تطبيق هذه الوعود.
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: طارق أنكاي