10 سنوات من حكم محمد السادس: "ثورة" في مجال المساواة بين الجنسين وتوترات مع السلطة الرابعة
٢٤ يوليو ٢٠٠٩خلال السنوات الأولى لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم في المغرب، كانت الآمال والتوقعات بأن مرحلة جديدة في تاريخ المغرب قد بدأت. فالملك الشاب (كان يبلغ آنذاك 36 سنة) كان متحمسا لإدخال المغرب في مرحلة جديدة مختلفة عن مرحلة أبيه الحسن الثاني. ومما لاشك فيه أن تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة حدثت في عهد محمد السادس، تحولات تعكس مغربا يتحرك ولو ببطء نحو "المجتمع الديمقراطي الحداثي"، كما يحلو للدولة أن تسميه، لكن الوصول إلى هذا المجتمع المنشود لا يبدو أنه قريب المنال، ليبقى انتقال المغرب إلى الديمقراطية الحقيقية مؤجلا في الوقت الحاضر.
"ثورة" في مجال المساواة بين الجنسين
وكانت أولى مؤشرات المرحلة الجديدة تعديل مدونة الأسرة عام 2001، وهي الخطوة الثانية الفريدة من نوعها على مستوى العالم العربي بعد تعديل مدونة الأسرة في تونس أيام الرئيس لحبيب بورقيبة. هذه المدونة التي منحت المرأة حقوقا كثيرة، اعتبرت في نظر الكثيرين الخطوة الأهم والأكثر جرأة خلال السنوات العشر من حكم الملك محمد السادس، لأنه قام بما أصبحت تسميه الحركات النسائية المغربية بـ"ثورة"، متحديا بذلك العقلية المحافظة للشعب المغربي وتنامي الحضور الأصولي في المجتمع المغربي.
وتعتبر نزهة العلوي، رئيسة "الاتحاد العمل النسوي" (احدى الجمعيات النسوية في المغرب) أن مدونة الأسرة، باعتباره مشروعا مجتمعيا مهما، الحدث "الأهم والأكبر في السنوات الأخيرة". وتؤكد الناشطة في العمل النسائي أن المرأة المغربية بدأت تستعيد بعضا من حقوقها، من خلال قرارات أخرى كتخصيص 10 في المائة للنساء في مجلس النواب المغربي وتخصيص لوائح نسائية في الانتخابات البلدية.
محاربة التطرف بالصوفية
الخطوة الجريئة الأخرى التي أقدم عليها الملك محمد السادس في هذا السياق تمثلت في إدخال إصلاحات في المجال الديني لصالح إشراك المرأة في العمل الديني، فقد قام بصفته "أميرا للمؤمنين" كما ينص دستور الدولة المغربية، بفتح المجال للمرأة لدخول المجلس العلمي الأعلى (يضم علماء دين مغاربة) وكما استطاعت المرأة أن تصبح "مرشدة دينية" تقدم النصح للمغربيات، وهو منصب كان حكرا على الرجل إلى ذلك الحين.
وفي الجانب الديني أيضا اعتمد محمد السادس منهج الوسطية، متخذا من الطريقة الصوفية وسيلة لمحاربة الحركات الدينية المتطرفة، وفي هذا السياق جاء إطلاق إذاعة للقرآن ومحطة تلفزيونية للترويج لهذا النهج. هذه السياسة جاءت بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء سنة 2003، أي بعد أربع سنوات من وصول الملك إلى الحكم، وتلتها أحداث أخرى أقل خطورة شهدتها المدينة نفسها سنة 2006 و2007.
علاقة الصحافة بالسلطة بين المد والجزر
وإذا كانت حرية الصحافة معيارا مهما للحكم على مدى انفتاح الأنظمة على الآراء الأخرى وتسامحها مع الآراء المعارضة لها، فإن العلاقة بين الصحافة والنظام المغربي بدأت في عهد محمد السادس هادئة، قبل أن يسدوها التوتر بين الفينة والأخرى. ورغم هامش الحرية والازدهار الذي عاشته الصحف المغربية المستقلة في عهد محمد السادس، إلا أن هذا الهامش كان دوما يتقلص ويتمدد حسب مزاج الملك والمحيطيين به. فقد شهدت الساحة القضائية محاكمات وفرض غرامات قياسية على صحف مستقلة، دفعت قبل أيام الصحف المستقلة في البلاد إلى الاحتجاج من خلال الصدور بافتتاحيات بيضاء. فعلى سبيل المثال حكم على صحفي بالتوقف عن الكتابة لمدة عشر سنوات، كما حكم بالسجن النافذ على عدد من الصحافيين، ووصلت بعض الغرامات إلى 60 ألف يورو، وهو مبلغ ضخم مقارنة بقدرة المؤسسات الصحفية المستقلة محدودة الموارد.
لكن من ناحية أخرى شهدت فترة حكم محمد السادس نقلة نوعية فيما يتعلق بمساحة الحرية في تناول الموضوعات التي كانت تعد بمثابة خطوط حمراء مثل موضوعات عن الجيش والأمن والملكية، والتطرق إلى هذه الموضوعات ما كان لصحفي أن يتجرأ عليه في عهد الحسن الثاني. وفي هذا السياق يرى يونس مجاهيد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن وضع الصحافة في المغرب معقدا، "فهو ليس بالأسود ولا بالأبيض، هناك مد وجزر". وأضاف في تصريح خاص لـدويتشه فيله أن هناك دينامكية في حرية التعبير يجب الإقرار بها، معترفا باتساع مساحة الحرية "ولو بصعوبة".
سعيد الراوي ـ المغرب
مراجعة: عبده جميل المخلافي