الفن بدلاً من النفط – سعوديون يعرضون أعمالهم في برلين
١٧ يونيو ٢٠١٠تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر البلدان محافظة في العالم، بل إنها تبدو وكأنها بعيدة بمقدار سنوات ضوئية عن حقوق الإنسان. الملك في السعودية يقف فوق القانون وانتقاده قد يجلب معه حكم بالإعدام، كما لا يحق للنساء استخراج رخصة سواقة، أما العبودية فقد ظلت قائمة حتى ألغيت عام 1963. رغم ذلك كله لا يكاد الغرب يرى في السعودية سوى منتج للبترول، ففي المملكة يتم استخراج نحو 25 في المئة من بترول العالم.
ليس في السعودية دار سينمائية واحدة، وحتى فترة قريبة لم يكن للفن مكان كبير في هذه الدولة. غير أن الوضع بدأ يتغير، وهو ما يتجلى في مبادرة فنية جديدة تحمل عنوان "حافة الصحراء"، تضم نحو عشرة من الفنانين الشباب والمخضرمين. هذه المبادرة تقدم نفسها للجمهور الألماني في معرض يُقام في العاصمة الألمانية برلين ويستمر حتى الثامن عشر من يوليو (تموز). بهذا المعرض يريد الفنانون أن يظهروا أزمة الهوية التي تقلق العالم الإسلامي، يقول سامي فاورق، مدير المعرض، ويضيف: "العربية السعودية هي مركز الإسلام ومهده. إنها قلب الإسلام النابض. غير أني أخشى أن تسود الاتجاهات الإسلامية المتطرفة، وأنا هنا أتحدث نيابةً عن الجزء المعتدل من الشعب السعودي، كما أتحدث عن الفن الذي يحتاج إلى الإسلام المعتدل."
كمثال على هذا الفن يرى الزائر في المعرض البرليني لوحات للفنان السعودي أحمد مطر الذي يستخدم خامات فنية غير مألوفة، مبدعاً لغة جديدة. مطر غير متفرغ للفن، فهو يكسب لقمة عيشه كطبيب. ويرى مطر أن كل شيء في الخليج العربي متوقف على البترول، وكأن النفط هو الذي يترك بصماته على المنطقة وليس البشر. "غير أن البترول قد يكون لعنة"، يقول مطر، "علينا ألا نسمح للبترول بأن يملي علينا نمط حياتنا."
في أحد أعماله يظهر أحمد مطر صورة عمود وقود في إحدى محطات التزود بالوقود. عبر سلسلة من الصور الصغيرة الزرقاء المصورة بالأشعة السينية يتحول عمود الوقود إلى رأس إنسان وجذعه. هذا الإنسان يصوب مسدساً إلى رأسه. خرطوم البنزين يغدو سلاحاً قاتلاً. هل هي نبوءة تحذير أم انتقاد للحكومة السعودية التي تلقي بكل ثقلها على تصدير البترول؟
"ما فعله غاندي كان عرضاً فنياً"
ولعل أكثر الفنانين المشاركين في المعرض البرليني شهرة هو الفنان عبد الناصر غريم الذي لا يحترف الفن، مثله مثل زميله مطر، وهو يقوم بعمل تجهيزات فنية تشي بهمٍ اجتماعي. ولأن السعودية تخلو من قاعات عرض فنية أو متاحف فقد قال الفنان لنفسه: "أنا لا أحتاج إلى ذلك. سأعرض فني حيث أجد الناس، أي في الشارع. أنا أول من قام بعروض فنية في السعودية. هذه العروض تتميز بقدرة تأثر هائلة. إن ما فعله المهاتما غاندي – مثلاً – كان عرضاً فنياً، حتى لو لم يكن يقصد ذلك. دوري كفنان هو أن أكون شرارة متوهجة."
كافح عبد الناصر غريم بفنه من أجل الحفاظ على قرى كانت تريد الحكومة أن تهدمها؛ كما شيد بوابة تشبه إحدى بوابات مكة التي يمر من تحتها الحجاج في طريقهم إلى الكعبة. غير أن الفنان وضع في البوابة أجهزة إليكترونية للكشف عن المواد المعدنية، وكأن المسلم الحاج مسافراً في مطار. وبهذا تتحول مكة – قبلة المسلمين – إلى منطقة أمنية، أما المسلمون فيبدو وكأن الشبهات تحوم حولهم.
هل من الممكن إقامة مثل هذا المعرض النقدي في السعودية أيضاً؟ كلا، لا يمكن، يقول مدير المعرض سامي فاروق. لكنه يضيف: "ربما قريباً، فقد آن الأوان لحدوث انفراجة فكرية في السعودية". أما في الخارج فإن معرض "حافة الصحراء" يريد أن يبث إشارة إيجابية في هذا الاتجاه.
الكاتب: فرنر بلوخ (س ج)
مراجعة: حسن زنيند