"الفرار" من الجيش.. هل تراجعت لندن عن اعتبار سوريا "آمنة"؟
١٥ يناير ٢٠٢٢قدم سوري يبلغ من العمر 25 عاماً إلى بريطانيا طالباً للجوء في مايو /أيار من عام 2020. وبحسب ما أوردته تقارير إعلامية، "هرب طالب اللجوء السوري من التجنيد الإجباري بالجيش عام 2017 حتى لا يُجبر على قتل أبناء وطنه السوريين". وذكر طالب اللجوء، الذي فضل عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامته، بأن العودة إلى سوريا ستعرض حياته للخطر. وقال إنه سيُستهدف بسبب رفضه للخدمة العسكرية وهروبه من أدائها هناك، ويُعتقل وربما حتى يُقتل.
في خطاب رفض طلب لجوئه الذي أرسل له، وأوردت صحيفة الغارديان تفاصيلاً منه، جاء فيه أنه بإمكانه العودة بشكل آمن إلى سوريا. وكتبت وزارة الداخلية، وفقاً للصحيفة: "لم يثبت احتمال وجود مبرر للخوف من التعرض للاضطهاد ولو بدرجة معقولة". لكن في نبرة مغايرة، نشرت وزارة الداخلية البريطانية، تغريدة على موقع" تويتر" يوم الثلاثاء، 11 يناير/ كانون الثاني، جاء فيها بأنه "في ظل الظروف الحالية لن نعيد طالبي اللجوء إلى سوريا. تتفق حكومة المملكة المتحدة بالرأي مع الأمم المتحدة بأن سوريا لا تزال غير آمنة بالنسبة لهم". وأكدت وزارة الداخلية لـ DW ما جاء من كلام على لسانها في التغريدة.
قانون "عادل لكنه حازم"
في عام 2021، أدخلت المملكة المتحدة إصلاحاً جذرياً على قانون الهجرة واللجوء. مخاطبة البرلمان في ديسمبر / كانون الأول، قالت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، إن القانون الجديد يمثل "خطة شاملة وعادلة لكن حازمة وطويلة الأمد، تتناول تحدي الهجرة غير الشرعية بشكل مباشر". وقالت باتيل: "طالبو اللجوء الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني لن يتمتعوا بعد الآن بنفس الحقوق التي يتمتع بها أولئك الذين يصلون إلى البلاد عبر الطرق القانونية".
وأضافت وزيرة الداخلية البريطانية، إلى أنه "حتى في حالة قبول طلباتهم، فقد يتم منحهم وضع اللاجئ المؤقت وسيكونون معرضين للترحيل في أي وقت". وعرجت باتيل على إحدى التغيرات التي يأتي بها هذا القانون، قائلة: "يمكن ترحيل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة أثناء انتظار البت بطلب اللجوء أو أثناء الاستئناف، مما يفتح الباب أمام دراسة طلبات اللجوء والإجراءات وهم في الخارج".
"تطور مقلق"
ترى ريم تركماني، مديرة الأبحاث في برنامج أبحاث النزاع السوري في وحدة أبحاث النزاعات والمجتمع المدني في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أنه على الرغم من أن المعلومات حول قضية طالب اللجوء لا تزال شحيحة، فإن "موقف الحكومة البريطانية يعد تطوراً مقلقاً ويثير الاستغراب". وقالت تركماني، التي قدمت رأيها كخبيرة إلى لجنة الشؤون الخارجية في المملكة المتحدة بشأن الأزمة السورية، إنه على الرغم من تراجع مستوى العنف في أجزاء من سوريا، إلا أن سلامة الأفراد لا تزال معرضة للخطر، لا سيما عندما يتعلق الأمر بوجود نشاط سياسي لطالبي اللجوء.
"التهرب من التجنيد الإجباري في سوريا بعد 2011 هو في الواقع موقف سياسي من قبل رجال يرفضون الانضمام إلى جيش يهاجم المدنيين ويرتكب جرائم حرب ضدهم، وقد يتعين عليهم المشاركة في مهاجمة المناطق المدنية بأنفسهم. وتجنب التجنيد الإجباري يعرض الشخص إلى خطر الاعتقال، وهو ما قد يعني، كما وثقته العديد من منظمات حقوق الإنسان، التعذيب وحتى الموت، ومجرد أن هذا الشخص قد تقدم بطلب اللجوء يعرضه للخطر إذا أعيد إلى سوريا"، وفق تصريح قدمته تركماني لـ DW عبر البريد الإلكتروني.
من جهة أخرى فضلت عدد من الجمعيات المدافعة عن اللاجئين في المملكة المتحدة التي اتصلت بها DW عدم التعليق على هذه الحالة بالذات في هذه المرحلة. وفي تصريح لـ DW، قالت مريم كيمبل هاردي، من منظمة "Refugee Action" الخيرية: "إنه أمر محير أن تعلن وزارة الداخلية، سوريا دولة آمنة. بصراحة، إذا لم تعد هذه الحكومة تمنح ملاذاً للاجئين السوريين، فلمن ستمنح الملاذ؟ هذا القرار يسحب طوق النجاة من أولئك الفارين من الحرب والاضطهاد. إنه يفشل في تلبية حتى الحد الأدنى الذي يتوقعه أي شخص من حكومة تدعي أنها تحافظ على التزاماتها أمام دول العالم ".
من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الداخلية في وقت سابق لـ DW في بيان إنه لا يعلق على الحالات الفردية، لكنه أضاف: "يتم البت بكل طلب لجوء لوحده وحسب وضع وظروف مقدمه، وبما يتماشى مع السياسة الحالية".
سابقة خطيرة؟
في حالة قررت سلطات المملكة المتحدة إعادة السوريين إلى المناطق التي تعتبرها آمنة، فقد يكون لذلك تداعيات بعيدة المدى. "أولاً، ستستخدم السلطات السورية وحلفاؤها القرار هذا للتظاهر بأن سوريا آمنة لعودة جميع اللاجئين. وستستخدمه الدول المستضيفة للاجئين مثل تركيا والأردن ولبنان للقول بإن عودة اللاجئين آمنة حتى عندما لا يكون الأمر كذلك. ستشعر دول أخرى براحة أكبر في تبني السياسة البريطانية والدنماركية في هذا المضمار. معظم الدول الأوروبية لا تحتاج إلى عذر يذكر في هذا المناخ المناهض للهجرة من أجل تشديد قوانين طلب اللجوء"، كما ترى ريم تركماني.
في عام 2020، أعلنت الدنمارك أن العاصمة السورية دمشق آمنة. منذ ذلك الحين، ألغت السلطات أو لم تجدد تصاريح الإقامة الدنماركية لصالح مئات السوريين من تلك المنطقة. كما تبنت السويد سياسة مماثلة.
على الرغم من أن سلطات المملكة المتحدة بدت وكأنها تتراجع في هذه الحالة بالذات، إلا أنها تسلط الضوء على الخط المتشدد الذي تتبعه وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، في ملف الهجرة واللجوء في محاولة لمواجهة الانتقادات بأنها لم تفعل ما يكفي على وجه التحديد لمنع قوارب اللاجئين من الوصول من فرنسا.
"هذه القضية قد تجعل بريطانيا تبدو قاسية في عيون هؤلاء المنتقدين الذين يظهرون أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات صارمة في ملفي اللجوء الهجرة. للأسف، لا يزال المزاج السائد في بريطانيا مناهضاً للهجرة كما رأينا في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، "بريكست"، والعديد من الناس لا يفهمون الفرق بين طالبي اللجوء وغيرهم من المهاجرين ".
روب مودج / خالد سلامة