الصحافة العربية بين مطرقة الأنظمة الحاكمة وسندان التطرف الديني
يحتفل العالم في 3 مايو/أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية وسائل الإعلام. ويأتي هذا الاحتفال السنوي اعترافا بالدور الطليعي الذي تلعبه الصحافة كواجهة أساسية لممارسة حرية الرأي والتعبير من ناحية، ولاستحضار المهام الجسيمة التي يؤديها الصحافيون والصحافيات خلال قيامهم بدورهم الذي لا يخلو من المخاطر في تقصي الحقائق من ناحية أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك يهدف هذا الإحتفال إلى التذكير بمعاناة الصحافيين من جراء الانتهاكات التي يتعرضون إليها وهم يمارسون واجبهم النبيل في نقل المعلومات إلى الرأي العام. كما يهدف هذا التقليد الأممي إلى إستعارة الانتباه للدور الحاسم الذي تضطلع به وسائل الإعلام الحرة والمستقلة في تطوير وإرساء العملية الديمقراطية. والجدير بذكره في هذا السياق هو أنه تم تكريس احترام استقلال وسائل الإعلام، والاعتراف بالحق الأساسي في ممارسة حرية الصحافة في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تراجع حرية الصحافة في العالم العربي
تقول منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها السنوي الذي نشرته اليوم بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة إن الصحافيين في منطقة الشرق الأوسط يجازفون بحياتهم في مناطق خطرة ويواجهون عنف وملاحقة الأنظمة السلطوية الحاكمة. وتعطي هذا المنظمة غير الحكومية والناشطة عالمياً أدلة واضحة على تراجع حرية الصحافة في منطقة الشرق الأوسط حيث تذكر في تقريرها أن واحدا وعشرين صحافيا قتلوا في هذه المنطقة بينهم 19 علي الأقل في العراق خلال العام 2004، وهذا يعني أن قرابة نصف الصحافيين الذين سقطوا في العالم قتلوا في الشرق الأوسط وحده في العام الماضي. وفي مثال آخر قتل في المملكة العربية السعودية مراسل للبي بي سي وأصيب آخر بجروح بالغة في اعتداء نسب إلي المتشددين الإسلاميين.
وفي قطاع غزة، حيث تسود حالة من الفوضى الأمنية، قتل صحافي فلسطيني في آذار/ مارس 2004 في إطار الصراعات الداخلية بين الفلسطينيين. ومن جانب آخر يعتبر التقرير نفسه التشريعات المعمول بها وقوانين الطوارئ العائق الأكبر أمام استقلال الصحافة، إضافة إلي المخاطر التي يواجهها الصحافيون أثناء تأديتهم لعملهم، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى غياب الحماية القانونية لهم. كما ذكر تقرير هذا المنظمة، التي تحتفل هذه السنة بالذكري العشرين لتأسيسها، ان أسوأ الأنظمة القمعية موجودة في إيران وسورية والسعودية وتونس وليبيا حيث تُلاحق أية محاولة لنقل الوقائع بنزاهة والتحري عن أي مواضيع حساسة كالفساد و التطرف الديني والمحرمات الاجتماعية والدينية.
لا ديمقراطية دون "السلطة الرابعة"
تراجع حرية الصحافة في كثير من الدول العربية التي تعادي حرية التعبير وتصادر الرأي وتفرض عليه قيوداً غير مبررة لا يتناسب مع التطورات التاريخية التي يشهدها العالم في عصر عولمة وسائل الإعلام وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات. حقاً، إن حماية قيم المحاسبة والمساءلة ورقابة النخب الحاكمة جزء محوري من عمل مؤسسات الدولة الحديثة، إلا أن حماية هذه القيم لا يقتصر على أجهزة الرقابة المالية والإدارية والبرلمانية فقط، بل إن وسائل الإعلام التي تتمتع بقدر عقلاني من حرية التعبير يمكن أن تصبح بالفعل وسيلة رئيسية للشفافية ولمحاسبة المسئولية أمام الجماهير. فالصحافة وسيط حيوي بين المجتمع والنظام السياسي يضمن التواصل البناء بينهما ويضمن درجة من الشفافية. ونظراً لهذا الدور المميز للصحافة والإعلام يطلق عليها البعض "السلطة الرابعة".
حرية الإعلام وآفاق الديمقراطية
وفي حديث مع البروفيسور كاي حافظ، المختص في دراسة وتحليل وسائل الإعلام في جامعة إيرفورت والمطلع على تطورات الصحافة والإعلام في العالم العربي، خص به موقعنا أشار في سياقه إلى الدور الريادي لوسائل الإعلام العربية الجديدة مثل القنوات الفضائية في خلق فرص تعبير جديدة تتميز بالجرأة والاستقلالية مقارنة مع وسائل الإعلام الرسمية. وفي السياق ذاته حذر حافظ "من تحميل وسائل الإعلام الجديدة أكثر من طاقتها فيما يتعلق بفرص تحقيق تحول ديمقراطي شامل "الدمقرطة" في العالم العربي". فوسائل الإعلام، المسموعة منها والمرئية على حد سواء، تبقي مجرد وسيط يلعب دوراً مهماً بين المجتمع ومؤسساته، ولكنها لا تستطيع أن تشارك بصورة مباشرة في عملية اتخاذ القرار السياسي في ظل غياب بديل عقلاني وسطي للنخب العربية الحاكمة في المرحلة الحالية، على حد قوله.
لؤي المدهون