نشر "الديمقراطية الامريكية" في العالم العربي بين الترويج الدعائي والمصداقية
أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب ألقاه أمس أمام جنود أمريكيين على أن نجاح العملية الديمقراطية في العراق يمكن أن يؤدي إلى "ثورة ديمقراطية شاملة" في الشرق الأوسط. وفي سياق إشارته إلى الذكرى الثانية "لتحرير بغداد" قارن بوش التخلص من نظام "صدام حسين الاستبدادي" بسقوط سور برلين في عام 1989 وما تبعه من انهيار للأنظمة الشيوعية وتغييرات دراماتيكية في الجغرافيا السياسية لشرق أوروبا أدت إلى نشر الديمقراطية فيها بشكل سريع.
"اكتشاف الديمقراطية" بعد صدمة 11 سبتمبر
لا شك أن الصدمة المروعة التي أحدثتها هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نفوس صناع القرار السياسي الأمريكيين، ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين، أجبرتهم على إعادة النظر في تقييم السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والتي قامت على دعم وتثبيت "الاستقرار السياسي" كأولوية عليا لإستراتيجيتها في الشرق الأوسط، حتى ولو كان هذا على حساب القيم الديمقراطية وتطور المجتمعات العربية إنسانياً واقتصاديا. النخب السياسية الأمريكية وصلت إلى قناعة راسخة بأن تأييد الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي كونها "من حلفاء واشنطن" لم يعد يمثل درع وقاية لمصالح الولايات المتحدة الحيوية في المنطقة، بل أنه السبب الأساسي لنمو التطرف الذي بلغ أوجه في الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن. هذا الانقلاب في الإستراتيجية الأمريكية حوّل دعم مشروع الديمقراطية (الدمقرطة) من مجرد حلم مثالي إلى ضرورة واقعية تضمن أمن الولايات المتحدة على المدى البعيد.
التضارب بين المصالح الأمريكية وقيم الديمقراطية
اللافت للنظر عند القيام بتحليل نقدي للرؤية الأمريكية الجديدة هو إصرارها على تحميل "الوضع العربي الرديء" وحده المسؤولية عن تهديد أمنها، فهى مازالت عاجزة عن إدراك حقيقة مفادها أن إهمالها دعم التطور الديمقراطي يحمل قسطا كبيراً من المسؤولية، ونتيجة لهذا التحليل القاصر فإنها لم تقتنع بضرورة مراجعة أو تعديل سياستها، على سبيل المثال موقفها المؤيد دوماً للسياسية الإسرائيلية ورفضها الإلقاء بثقلها من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل للصراع الشرق الأوسطي. كما أنه من الصعب التصور أن تتحول الإدارة الأمريكية إلى رسول للديمقراطية في المنطقة العربية بين عشية وضحاها وخاصة في ظل الرفض المتأصل والمتزايد لوجود قواعدها وجيشها في البلدان العربية. وماذا عن الأنظمة العربية التي تعتبر المشروع الأمريكي تهديداً لكينونتها ووجودها؟ وهو ما يدفعها إلى العمل على تفادى الهجمة الأمريكية عليها بدلاً من أن تتعامل بإيجابية مع شعوبها وإدراكها بأنه هو المصدر الأول للشرعية الضرورية. المصلحة القومية الأمريكية تتطلب الآن العمل على نشر الديمقراطية ولكن الاختبار الأكبر لجدية ومصداقية الولايات المتحدة سيكون على أرض الواقع حين لا تتلاءم نتائج هذا المشروع مع مصالحها الحيوية.
الديمقراطية كسلاح استراتيجي
تسيطر رؤية "المحافظين الجدد" على مشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي وهي ترتكز بصورة جوهرية على اعتقادهم بأن إرساء نظام ديمقراطي في هذا المنطقة المهمة إستراتيجياً والتي تطغى عليها الأنظمة السلطوية الاستبدادية كفيل بتسريع نشر الوعي الديمقراطي في الدول المحيطة. هذا التصور، الذي يعرف بـ"نظرية أحجار دومينو"، يعتبر "نموذج الديمقراطية العراقية" مصدر إشعاع للقيم الديمقراطية ومثالاً يحتذى به في الطريق الطويل إلى تغيير ديمقراطي جذري في الشرق الأوسط. خطورة هذا التصور تكمن في إدراكه التبسيطي لحقائق الظروف العربية واعتماده على مقارنات تاريخية لا تأخذ خصوصية هذه المنطقة بعين الاعتبار، كما انه يهمل حقيقة عدم استعداد النخب العربية الحاكمة التخلي ولو بشكل جزئي عن امتيازاتها وسلطتها.
هل الديمقراطية قيمة بحد ذاتها؟
وبالإضافة إلى رفض النخب العربية الحاكمة، المتمثلة غالباً بالحزب الواحد المهيمن هيمنة كاملة على الحياة السياسية في المجتمعات العربية، التجاوب البناء مع تطلعات شعوبها المتمثلة في حدوث تغييرات وإصلاحات ديمقراطية شاملة، تكمن المشكلة الأكبر في غياب التربية الديمقراطية في أوساط المجتمعات نفسها. فلا يمكن الوصول إلى درجة من التوازن الديمقراطي العقلاني دون إتاحة الفرصة للمشاركة الفاعلة لكل تيارات المجتمع في الحياة السياسية. وعلى الرغم من أن الديمقراطية لا تمثل قيمة بحد ذاتها إلا أنها المنظومة الوحيدة التي تتيح إمكانية المشاركة النزيهة لكافة فئات الشعب في عملية صناعة القرار السياسي.
لؤي المدهون