الروبوت الفارس ينافس أطفال الهجن

طفل فوق ظهر الناقة يصرخ بأعلى صوته، بينما يجلس صاحب الناقة في ترقب، يشاهد السباق من سيارته الفاخرة المكيفة. هذا المشهد المتكرر من سباقات الهجن يمكن متابعته في العديد من دول الخليج. وسباقات الهجن سباقات تقليدية عربية تمارس في بعض دول الخليج، على رأسها الإمارات وقطر. وهي تحظى بشعبية كبرى هناك كونها تمثل لهم رياضة الأصالة والتراث والمنافسة الشريفة. وتقام هذه السباقات سنوياً من شهر أكتوبر/ تشرين الأول حتى شهر أبريل/نيسان. كما أنها تعتمد على "الفرسان" الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من ثلاث إلى سبع سنوات. وخلال السباق يصرخ هؤلاء، لكن السؤال: هل يصرخون لحث الجمال على الركض كما يقول المروجون لهذه الرياضة أم من الخوف والرعب؟

ناقة بملايين وطفل بلا ثمن

هذا الطفل الصغير الذي لم يبلغ السابعة على الأرجح هو أحد آلاف الأطفال الذين يجلبون من البلاد الفقيرة خاصة من آسيا. بعضهم خطف والبعض الآخر باعتهم عائلاتهم أملاً في أن يحظوا بعيش أفضل. ويعيش هؤلاء "الفرسان" الصغار في ظروف تشبه السجون، ويتم تجويعهم ليصبحوا أخف وزناً لكي تعدو النوق التي يمتطونها بشكل أسرع. كما أنهم يختارون "الأرخص" القادمين من الهند وبنجلادش وباكستان، والأصغر سناً لتكون صرخاتهم أعلى صوتاً.

منذ أعوام يحظى هذا الانتهاك لحقوق الأطفال باهتمام العديد من المنظمات العالمية، واصفين استغلال الأطفال في هذه السباقات بأنه نوع من أنواع العبودية. كما انتقدت هذه المنظمات تعريض حياة هؤلاء الأطفال للخطر من أجل تسلية المشاهدين، فكثيراً ما يتعرض الهجانة الصغار لحوادث، ويسقطون على حلبة السباق لتدهسهم النوق بلا إسعاف. فلا يمكن إيقاف السباق في أكثر أوقاته إثارة من أجل طفل لا يساوي الكثير، بينما يمكن أن تساوي ناقة واحدة ملايين الدولارات. أطفال يصابون وآخرين يموتون لتسلية الجماهير.

ومؤخراً أضيف إلى هذه الانتقادات الدولية تحذير صريح من وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس للدول التي تستخدم الأطفال في سباقات الهجن. وعندها بدأ التحرك وتتابعت القوانين التي تمنع استغلال الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، فبدأت قطر في أبريل الماضي وتلتها الإمارات، والتي تعهدت بإعادة الأطفال الصغار إلى بلادهم.

هل ينقذ الروبوت أطفال الهجن؟

حتى لا تندثر هذه السباقات التقليدية المحبوبة من شعوب الخليج، قامت دولة قطر باستثمار أكثر من مليون يورو في مشروع "الروبوت الفارس". وهو روبوت يشبه الطفل ويقوم بالجلوس على الناقة بدلا منه. أما المبلغ الذي تم استثماره لذلك فهو مبلغ متواضع بالنسبة لقطر، حيث متوسط دخل الفرد أعلى من أي مكان آخر في العالم. وبعد تجربة فاشلة عام 2002 تم أخيراً الوصول للشكل والوزن المناسب لهذا الروبوت حتى لا تكتشف الجمال هذه الخدعة وتكسره كما كسرت الروبوت الذي ظهر في التجربة الأولى والذي كان يزن 27 كيلوجراماً. ويُعرف عن الجمال أنها عصبية المزاج وتصبح في غاية العنف إذا ما أثارها أمر ما.

ولكن بعد ملاحظة دقيقة للسباقات وللجمال وتصرفاتها المختلفة، وذلك بمشاركة عالمين من علماء الأحياء، تمكن فريق سويسري من الوصول للتصميم الأفضل للـ"روبوت الفارس"خلال عامين. وقد تمت تجربته بنجاح، وهو الأمر الذي فاجأ حتى فريق العمل نفسه. وتبعت تجربة قطر تجربة في أبوظبي، حيث أقيم سباق تجريبي شارك فيه "الروبوت الفارس بنجاح، وينوي مسئولون من الإمارات شراء عشرة آلاف "طفل آلي" مصنعة في دول آسيا، بتكلفة ألفي دولار لكل جهاز.

رخصة قيادة الروبوت الفارس

لهذا الروبوت يدان يمسك بإحداهما لجام وبالأخرى سوطاً لتحريض النوق على الركض، وذلك عن طريق جهاز تحكم عن بعد. وللتمكن من قيادة "الروبوت الفارس" قام المهندسون بتدريب مدير الشركة التي سعت لهذا المشروع، وأعطوه في النهاية شهادة بإنهاء هذا التدريب وهي تعتبر "رخصة قيادة" لهذا الروبوت الفارس. أما ضبط السرج فيتطلب شهادة أخرى، فمن المهم أن يكون في وضع اتزان على ظهر الجمال، وهو ما يجد البعض صعوبة فيه. لذا فقد أنشأ المهندسون شهادة "معد السرج".

ومازال الروبوت في حاجة إلى تطوير برأي صاحب الشركة القطري، أما التكاليف، فلا تشكل أي عائق، المهم هو الوصول إلى جعل السباق أكثر حماساً وإمتاعاً للجماهير. ويعتبر هذا من الأمور الصعبة لاسيما وأن بعض هواة هذه السباقات يجدون في فكرة "الروبوت الفارس" استهتاراً بذكاء الجمال. كما أن الذين سيدركون يوماً أنه ليس إنساناً لن يتمتعوا بالسباق. من ناحية أخرى يجد بعض المنتقدين لهذا الروبوت أنه سيتسبب في زيادة فقر عائلات الأطفال الذين كانوا يعملون بهذه السباقات.