حياة الأم ووليدها في خطر
في الدول الصناعية الكبرى تحظى حياة الإنسان بقيمة كبيرة، وتصرف حكوماتها مبالغ طائلة من أجل بناء المستشفيات وتحديث أجهزتها الطبية. وإذا أصاب المواطن مرض أو علة يكفل له تأمينه الصحي الحصول على الرعاية الطبية اللازمة. ولا تشذ الولادة عن هذه القاعدة، حيث تبذل كل الجهود للحفاظ على صحة الجنين وأمه. أما الدول الفقيرة فلا أحد يوفر الحماية للأم وأولادها، وتبدأ معاناتهم منذ الولادة. وحتى الآن يقف المجتمع الدولي عاجزاً عن رفع التمييز بين الفقراء والأغنياء في مجال الرعاية الصحية.
حقائق مفزعة
التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية (WHO) بمناسبة يوم الصحة العالمي يورد حقائق تثير الفزع، ففي اليوم الواحد يموت 30000 طفل في الخمس سنين الأولى من حياتهم، وتموت 1400 أم بسبب صعوبات الحمل ومضاعفات الولادة. والسبب الأكبر للوفاة هو قلة الرعايا الطبية! ولهذا فقد خصصت منظمة الصحة العالمية يوم الصحة العالمي هذا العام لموضوع "صحة الأم والطفل".
يتابع التقرير: "يولد كل سنة أكثر من 3.3 مليون طفل ميت، كما يموت أكثر من أربعة ملايين خلال 28 يوم من الولادة وأكثر من 6.6 مليون طفل صغير يموتون دون سن الخامسة. وتتواصل زيادة وفاة الأمهات أيضاً، ليصل الإجمالي السنوي إلى 529 ألف وفاة غير متوقعة ومفاجئة للأمهات تحدث أثناء الحمل نفسه (منها قرابة 68 ألف وفاة بسبب الإجهاض المحفوف بالمخاطر) سواء أثناء الولادة أو بعدها".
وأكد التقرير أن معظم هذه الحالات تنتج بسبب انعدام الرعاية الطبية أثناء الحمل والولادة. فقد أرجع التقرير 90% من حالات الوفاة لستة حالات مرضية فقط.
وتلك الحالات هي:
الاعتلالات الوليدية الحادة، وأساساً الولادة المبتسرة والاختناق أثناء الولادة والعدوى أثناء الولادة، ( 37٪)
عدوى المسالك التنفسية السفلى، وأساساً الالتهاب الرئوي(19٪)
الإسهال (18٪)
الملاريا (8٪)
الحصبة (4٪)
الأيدز والعدوى بفيروسه (3٪)
" لا تبخسوا أماً ولا طفلاً مكانتهما في المجتمع"
ويمكن تحاشي معظم تلك الوفيات عن طريق تدخلات بسيطة ومعقولة التكلفة وفعالة. ومن هذه التدخلات العلاج بتعويض السوائل عن طريق الفم، وتوفير الأمصال والمضادات الحيوية، والأدوية المضادة للملاريا، والناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات، وفيتامين ألف وغيره من المغذيات الدقيقة. ومن الوسائل الفعالة أيضاً تشجيع الرضاعة الطبيعية، وتوفير الرعاية الحاذقة أثناء الحمل والولادة.
وقد اختارت المنظمة شعاراً ليوم الصحة العالمي " لا تبخسوا أماً ولا طفلاً مكانتهما في المجتمع"، فمعظم حالات الوفاة تنتشر في الدول النامية، حيث يسود الفقر والتلوث من ناحية وإهمال المرأة والطفل من ناحية أخرى. وإن كانت أسوأ الحالات تنتشر في أفريقيا وجنوب آسيا، إلا أن الإحصائيات تؤكد أن الأمر ليس بالأفضل كثيراً في العديد من الدول العربية، هذا بالإضافة بالطبع لكل الحالات التي لا تسجل من الأساس.
وضع الدول العربية
إذا كان الفقر سبب للكثير من وفيات الأطفال، فالإهمال مشكلة أكبر في كثير من البلاد العربية، فبين أخطاء الأطباء، وعدم الاهتمام بالنظافة في المستشفيات، وعدم اهتمام الحكومات بالتوعية الصحية يضيع آلاف الأطفال. في الوقت الذي تهتم فيه دول الغرب بالبحوث في أمراض الإيدز، ما زال أطفالنا يعانون من أمراض كالحصبة وشلل الأطفال، بسبب إهمال التطعيم. أما قضية التلوث والتي يغض الشرق البصر عنها اعتباراً أنها "رفاهية"، فهي المسبب الأول للأمراض الصدرية وللزيادة المرعبة في عدد الأطفال المصابين بالسرطان.
وتأتي بعض العادات التي مازالت منتشرة، كالزواج المبكر والحمل المبكر والذي يعد خطراً على صحة كل من الأم والطفل، أو الخوف من جرائم الشرف وإهمال التربية الجنسية الصحيحة لدى الأطفال والشباب والذي يدفع بالعديد من الفتيات ل"التجار" الذين يقومون بعمليات الإجهاض غير المشروعة في أماكن لا تتوفر فيها أية رعاية صحية. أما أطفال الشوارع فهم الأكثر معاناة، فالكثير منهم يتعرض لإدمان المخدرات إلى جانب حوادث العمل التي كثيراً ما يتعرضون لها كما يقعون ضحية بعض العصابات التي تتاجر بفقرهم، وأحياناً ما تقوم ب"عمل" عاهات لتزيد من قيمتهم في "سوق التسول"
أخطاء الكبار يتحملها الصغار
وإن كان أطفالنا يعانون في السلم، فالموقف أصعب كثيراً في مناطق الغليان. فقد ذكر تقرير اليونسف لعام 2003 أن طفل من كل 8 أطفال يموت قبل سن الخامسة، و70% من الأطفال يموتون بسبب الإسهال و1 من كل 4 يعاني من سوء التغذية التي تصل به للوفاة ولم يكن الفقر هو المسئول عن كل ذلك بل الحصار الاقتصادي الذي تسبب في نقص مياه الشرب النقية والغذاء، وقد تضاعف ذلك العدد بعد حرب العراق حسب تقرير إحدى منظمات حقوق الإنسان. وبجانب الأعداد التي تموت يومياً بسبب قذف المنازل والمدارس، في فلسطين والعراق، يكون مصير الكثيرين الإصابة بعاهات مستديمة، إلى جانب الأضرار النفسية التي يتعرضون لها بسبب صدمات الحرب وبسبب الاعتقالات التي لا تحترم أية اتفاقيات دولية.
لن يكون الحل في الاعتماد على المنظمات الدولية فقط لتوفير الصحة لأبنائنا، فما نحتاجه هو تحرك من الحكومات لحماية الطفل والأم. إن نشر الوعي الصحي أساس يجب أن يدخل في كل مدرسة ويصل لكل بيت، عندها سيدرك كل أب وكل أم ضرورة متابعة الحالة الصحية للأم منذ بداية الحمل وبعد الأشهر الأولى للولادة.