"الثابت والمتحول" في السعودية.. 90 عاما على تأسيس المملكة
٢٣ سبتمبر ٢٠٢٠على مدار تاريخها ومنذ إعلان قيامها في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932، حكمت المملكة العربية السعودية عدة قواعد أساسية كان يعتقد أنها من الأسس الراسخة، بعضها يتعلق بنظام الحكم وطريقة تصعيد الأمراء في المشهد السياسي وبعضها على المستوى الديني والآخر اجتماعي وغيرها اقتصادي.
لكن المملكة شهدت – وتشهد – في الوقت الحالي ما يمكن اعتباره ثورة شاملة على أغلب – إن لم يكن كل – تلك القواعد.
الوهابية .. عمود الخيمة
في عام 1744وقع ميثاق الدرعية بين الأمير محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب. ومن وقتها بدأ التحالف بين القوة السياسية والقوة الدينية في السعودية. ساهم هذا التحالف كثيراً في استقرار حكم آل سعود، وكأحد جوانب سيطرة الوهابية على المشهد تأسست هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام 1940 والتي أصبح لها نفوذ هائل لاحقاً في المجتمع السعودي.
مع الوقت بدأت السعودية في الانفتاح على العالم حتى وقعت حادثة الحرم المكي بقيادة جهيمان العتيبي عام 1979 والتي نتجت عنها ردة هائلة في المجتمع السعودي ليصبح أكثر تشدداً وانغلاقاً.
لكن ومع صعود الملك سلمان وابنه تغير الأمر تماماً، وبحلول عام 2016 قُلمت أظافر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سبق ذلك هجوم عنيف على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في وسائل الإعلام على الهيئة والقائمين عليها وعلى أسلوبها العنيف في التعامل.
أيضاً تراجع دور علماء الدين السعوديين بشدة، سواء بسبب اعتقال الكثيرين منهم خصوصاً من يتهمون بأنهم من "الإصلاحيين"، أو سواء بسبب تصريحات بعضهم شديدة التناقض قبل وبعد تولي الملك سلمان وولده مقاليد الأمور، ما جعلهم عرضة للكثير من الانتقادات اللاذعة بل والسخرية.
خروج على تقاليد الأسرة الحاكمة
يقول بن هوبارد، مراسل صحيفة نيويورك تايمز في كتابه الجديد "صعود محمد بن سلمان" إن أساليب السعودية الجديدة في الحكم "تبدو أقرب إلى ستالين والعصابات منها إلى أساليب أجداده وأعمامه من ملوك السعودية، وأن الخوف منتشر جداً في البلاد لدرجة أنَّ أي منشورٍ على شبكات التواصل الاجتماعي أو تعليق يمكن أن يؤدي إلى الاعتقال أو السجن، حتى أن العديد من السعوديين يتجنَّبون التحدث عبر الهاتف أو يضعون هواتفهم المحمولة في الثلاجة حين يجتمعون".
هذا التعامل شديد الخشونة مع المواطنين والمنتقدين لأسلوب الحكم الجديد امتد ليشمل أمراء بارزين في العائلة المالكة وهو أمر غير مسبوق في داخل البيت السعودي، حيث حظي أفراد العائلة المالكة سابقاً بقدر كبير من الاحترام والتقدير، وهو ما تغير تماماً في الوقت الحالي.
ففي كتابه يتحدث هوبارد عن ما أسماه بتدبير محمد بن سلمان لــ "انقلاب ناعم" ضد ابن عمه الأكبر، محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي انتهى به المطاف سجيناً.
وفي عام 2017، اعتقل العشرات من كبار الأمراء والمديرين التنفيذيين في المملكة كان أحدهم الأمير ورجل الأعمال ذائع الصيت الوليد بن طلال، ووضعوا جميعاً في فندق ريتز كارلتون عدة شهور بل قيل إن بعضهم تعرض للتعذيب. صيغت العملية وقتها وسوقت للمجتمع السعودي على أنها "مكافحة للفساد"، لينتهي الأمر بتنازل الأمراء ورجال الأعمال عن أصول وممتلكات تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار.
وبحسب موقع "ميدل ايست آي" فإن اعتقالات ولي العهد محمد بن سلمان لأمراء كبار في المملكة بينهم أعضاء في هيئة البيعة تهدد مصير الهيئة المكلفة باختيار الملك وولي العهد. وتتكون الهيئة من أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود. ولقد تأسست الهيئة عام 2006 بأمر ملكي أصدره الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.
تغيرات مجتمعية جذرية
عرفت السعودية على مدى تاريخها بأنها مجتمع شديد الانغلاق والمحافطة بسبب الرسوخ الشديد للفكر الوهابي، وكما أُشير سابقاً فإن هذا الانغلاق كاد أن ينتهي في السبيعنيات لولا حركة جهيمان العتيبي الذي كان يرى هو وجماعته أن المجتمع السعودي انهارت فيه القيم الدينية والاجتماعية مع تدفق أموال النفط وتغير العادات والتقاليد المجتمعية.
ويقول غيدو شتاينبرغ، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن إن "العديد من قادة داعش والعديد من الدعاة الذين روجوا لداعش في أوروبا درسوا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، مركز الدعوة الوهابية وأن الدعاة عززوا الوهابية بشكل متزايد، وخاصة فرعها الرئيسي - السلفية - باعتبارها الشكل الحقيقي الوحيد للإسلام" ما جعل المجتمع السعودي يميل نحو التشدد والانغلاق بشكل كبير، بحسب ما أورد في كتابه "الحرب الباردة في الخليج".
وفي تصريحات صحفية، قال ناصر الحزيمي، أحد أتباع جهيمان المقربين إن "ما فعله جهيمان أوقف كل أشكال الحداثة. وضرب لذلك مثالاً وهو أن أحد مطالب جهيمان كان حجب جميع المذيعات من الظهور في التليفزيون. وبالفعل بعد هذه الواقعة، لم تظهر مذيعة واحدة مرة أخرى". بحسب ما نشر موقع بي بي سي.
هذه النتائج العكسية لحركة جهيمان تحدث عنها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حوار صحفي في مارس/آذار 2018، إذ قال إنه قبل عام 1979 "كنا نعيش حياة طبيعية مثل سائر دول الخليج، وكانت النساء تقود السيارات، وكانت في المملكة دور عرض سينمائي".
لكن الأمور تغيرت جذرياً مع وصول الملك سلمان للحكم وتولي ابنه ولاية العهد، ليبدأ عصر جديد من الانفتاح، فسمح للمرأة بقيادة السيارات واختفت الفتاوى التي تحرم هذا الأمر، كما افتتحت دور السينما والمسارح، وسمح للسيدات بدخول ملاعب كرة القدم وأقيمت حفلات موسيقية مختلطة وأقيمت عروض راقصة حتى في الدرعية نفسها مهد الدعوة الوهابية، وبدأ دور المرأة السعودية في المشهد المجتمعي يتعاظم.
النفط ورؤية 2030
منذ عام 1938 اعتمد اقتصاد المملكة بشكل أساسي على استخراج وتصدير النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي لتصبح السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. وبسبب تغيرات اقتصادية وسياسية في المنطقة والعالم، تعرضت أسعار النفط خلال عقود لهزات عنيفة كادت تعصف باقتصاد المملكة.
وكثيراً ما فكرت القيادة السعودية في إدخال عناصر أخرى لدعم الاقتصاد لتصبح مع الوقت أعمدة رئيسية بجانب النفط دون أن يتخذ في هذا الإطار قرارات حاسمة، لكن محمد بن سلمان قرر البدء في تنفيذ ما سمى رؤية 2030 التي أُعلن عنها في 25 أبريل/ نيسان 2016، والتي تقوم على إيجاد بديل للنفط على المدى الطويل.
وكان أحد تلك المشروعات الطموحة هو مشروع "نيوم" الهائل الذي يمتد بين المملكة والأردن ومصر ويقوم على السياحة بشكل أساسي، إلى جانب طرح أسهم شركة أرامكو في البورصة العالمية. كما ذكرت شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية، أن السعودية قررت اللجوء إلى صناعة الترفيه لتكون بوابة إلى تحسين الوضع الاقتصادي.
لكن وبحسب برادلي هوب وجاستين شيك مراسلَي وول ستريت جورنال ومؤلفا كتاب "الدم والنفط: بحث بن سلمان الشرس عن قوّة عالمية" فإن "ولي العهد الطموح صدم بالعقبات الكبيرة أمام تنفيذ رؤيته التحديثية التي كان يظن أنها ستكون بسهولة كتابة سطورها، ليتبيّن له بعد مضيّ أربع سنوات ونصف سنة على إطلاقها، أن لا فكاك من قيد النفط".
فقدان للدور الإقليمي؟
في فبراير 1945 وقع اتفاق كوينسي التاريخي بين الولايات المتحدة برئاسة فرانكلين روزفلت وبين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والذي يقضي بتوفير واشنطن الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية إمدادات الولايات المتحدة بالنفط.
وطوال عقود طويلة اتسمت العلاقات بين الدولتين باستقرار نسبي كبير لكن مع صعود محمد بن سلمان بدأت السعودية تنفتح على روسيا التي وصلت التوتر معها في وقت ما إلى حشد "المجاهدين" وتسهيل سفرهم لقتال القوات الروسية في افغانستان والشيشان، لنصل إلى مشهد توقيع اتفاقية تعاون عسكري تقني بقيمة 3.5 مليار دولار، في إطار صفقة أوسع بقيمة 20 مليار دولار وزيارة الملك سلمان لموسكو، التحرك الذي أزعج الحليف الأمريكي بشدة.
"الأمير المنبوذ" ومقتل خاشقجي
وعلى مدى سنوات طويلة، حافظت السعودية على مكانتها الكبيرة بين دول العالم وخاصة العالم الإسلامي نظراً للمكانة الروحية الهائلة التي تتمع بها.
إلا أن هذه المكانة الإقليمية والدولية اهتزت كثيراً مؤخراً بشكل غير مسبوق لعدة أسباب منها حادث اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصيلة السعودية في إسطنبول والذي أظهر السعودية الجديدة كدولة لا تحسب عواقب لأفعالها وتضرب بعرض الحائط أبسط قواعد الدبلوماسية الدولية، ما جعل كتابا ومحللين يصفون ولي العهد السعودي "بالأمير المنبوذ" – والتعبير لضابط المخابرات الأمريكية السابق روس ريدل- وهو ما لم يحدث من قبل لأحد كبار الأسرة الحاكمة السعودية على مدى عقود.
كما أن تصاعد النفوذ التركي وتدخل أنقرة في عدد من الملفات الإقليمية الحساسة أثر كثيراً على مكانة السعودية، خاصة مع تصاعد الإشارات الأمريكية إلى احتمال انضمام السعودية إلى قطار التطبيع الخليجي للعلاقات مع إسرائيل.
وأخيراً، يدور حديث متواتر حول مدى سيطرة محمد بن زايد ولي عهد الإمارات على القرار السعودي بعد أن كانت السعودية هي القائد والمحرك لدول الخليج بأكلمها بما فيها دولة الإمارات نفسها. فبحسب كتاب للإعلامي الفرنسي، ميشيل توب، بعنوان "الوجه الخفي للإمارات العربية المتحدة"،، فإن بن زايد هو العقل الذي يحرّك بن سلمان.
ويعزو البعض إطاحة بن نايف إلى تحريض من محمد بن زايد نفسه بعد أن علم بأن بن نايف حذر العاهل السعودي من وجود مؤامرة ضد الأسرة المالكة يقودها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بحسب ما كشفت مجلة "نيويوركر" الأمريكية.
ويرى محللون مثل الكاتب البريطاني ديفد هيرست أن "الرجل الذي يقف خلف محمد بن سلمان لإضعاف المملكة والسيطرة عليها هو محمد بن زايد"، بحسب ما ذكر في مقال نشره موقع "ذي ميدل إيست آي"، وأن بن زايد هو العقل المدبر الذي يقف خلف سياسات ولي العهد السعودي.
عماد حسن