التطبيع مع إسرائيل .. وحسابات الرياض الحذرة
١٢ سبتمبر ٢٠٢٠خطبة الجمعة التي ألقاها إمام المسجد الكبير في مكة، عبد الرحمن السديس الأسبوع المنصرم أثارت زوبعة في أجزاء من العالم العربي والاسلامي. فالخطيب السعودي روج للتسامح تجاه غير المسلمين وتطرق في ذلك بصفة إيجابية لعلاقة نبي الإسلام مع اليهود. وبما أن إعلان التطبيع التاريخي والمثير للجدل في بلدان عربية وإسلامية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة يعود لبضع أسابيع، فقد فُهمت الخطبة من الكثيرين على أنها رسالة سياسية.
من المعلوم أن بعض التغيرات الصغيرة والملموسة طرأت منذ مدة على العلاقة الاسرائيلية السعودية. وفي هذا السياق أعلنت الرياض بداية سبتمبر فتح مجالها الجوي لبعض الرحلات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وهذا الإعلان جاء مباشرة بقليل عقب التفاهم بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الذي تبعه هبوط طائرة إسرائيلية في أبو ظبي. وقبلها بأكثر من عامين في مارس 2018 أصدرت الرياض لشركة الطيران الهندية رخصة استخدام الأجواء السعودية لرحلات مباشرة بين نيودلهي وتل أبيب.
وإذا ما نظرنا إلى التصريحات الرسمية من الرياض، فإنه يوجد حاليا مؤشرات قليلة على أن العربية السعودية ستتبع مثال الإمارات وتقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. والشرط من أجل ذلك هو حل دولي معترف به لقضية فلسطين بما في ذلك القدس الشرقية، كما عُلم مؤخرا من جانب الرياض خلال لقاء للجامعة العربية في القاهرة.
وقبلها كان الملك سلمان قد طالب في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحل "عادل" للفلسطينيين. ووزير الخارجية فيصل بن فرحان أعلن في بداية سبتمبر في تصريح عبر تويتر:" موقف المملكة بالنظر إلى قضية الفلسطينيين ثابت".
ليس بدون الفلسطينيين
على ما يبدو تقوم قوى حذرة حاليا في الرياض بتحديد الخطوات، وهذه القوى تعتبر أن العربية السعودية بالتحديد بثقلها كقوة إقليمية وحامية المواقع الإسلامية المقدسة لا يمكن لها تحمل صفقة يمكن وصفها من قبل منتقدين ومعارضين سياسيين "كخيانة" للفلسطينيين والاستحقاقات الإسلامية في القدس. فصحيفة "فاينانشال تايمز" استدلت في هذا السياق بأحد الشخصيات الرسمية في السعودية، من دون ذكر اسمه، إذ قال:" الإمارات العربية المتحدة أصغر وليس لديها هذا الرمز الديني. ما يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تخسره هو أقل بكثير منا". وهناك في العربية السعودية قلق من التعرض للهجوم في العالم الاسلامي.
لكن إذا كان السعوديون الاقوياء يترددون في اتباع المثال الإماراتي بسرعة، فإن آخرين سيتحفظون أيضا، كما يعتبر هوغ لوفات، خبير الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. وحتى بلدان أخرى ترفض حاليا. ففي السودان ادعت الحكومة الانتقالية هناك منذ أغسطس تجاه واشنطن أنها لا تملك التفويض الضروري لاتخاذ القرار حول تطبيع العلاقات مع اسرائيل. ومتحدث حكومي سوداني عبر علنا قبلها عن سروره بإقامة علاقات مستقبلية مع اسرائيل وقوبل بانتقاد قوي، وتم تسريحه.
البحرين "اختراق تاريخي جديد"
الرئيس الأمريكي ترامب توقع بمناسبة الصفقة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة حصول تفاهمات تاريخية إضافية مع بلدان عربية وإسلامية. وقد أعلن ترامب (الجمعة 11 سبتمبر/أيلول) عبر تغريدة بأن البحرين وإسرائيل توصّلتا إلى "اتّفاق سلام"، متحدّثاً عن "اتختراق تاريخي جديد اليوم".
وكان الرئيس الأمريكي قبل ذلك قد حقق نجاحا رمزيا في أوروبا البعيدية عن العالم العربي، حيث وافقت الجمهورية الصغيرة ذات الأغلبية المسلمة كوسوفو على علاقات رسمية مع إسرائيل.
موقف السعودية سيتغير على يد بن سلمان
أما بالنسبة للسعودية، فيشير خبير الشرق الأوسط لوفات، إلى أن السياسة الحالية للعربية السعودية مثار جدل داخليا. ويمكن أن تتغير إذا فقد الملك سلمان، كما هو الحال في مجالات أخرى من تأثيره في مجال سياسة إسرائيل وفلسطين لصالح خلفه المفترض. فالرجل الجديد والقوي في البلاد، ولي العهد محمد بن سلمان له موقف انتقادي أكثر تجاه القيادة الفلسطينية، كما يؤكد لوفات. كما أنه قد يكون لأسباب اقتصادية وبغية احتواء الخصم الإقليمي المشترك ايران مهتما بإقامة علاقات جيدة مع اسرائيل:" بما أن محمد بن سلمان هو الذي سيصبح حاكم المملكة المستقبلي، فإن العلاقات بين العربية السعودية وإسرائيل ستتغير في المستقبل".
كرستين كنيب/ م.أ.م