ترامب وبن سلمان والانتخابات الأمريكية..حسابات الربح والخسارة
١٥ سبتمبر ٢٠٢٠شيئاً فشيئاً، نقترب من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يعدها خبراء ومراقبون واحدة من أهم الانتخابات في التاريخ الأمريكي الحديث. ويتوقع كثيرون أن تؤثر نتائج الرئاسيات الأمريكية ليس على الداخل المحلي فقط، وإنما على مشهد السياسة الدولية بشكل عام والشرق الأوسط على وجه التحديد.
فالمملكة العربية السعودية تترقب بحذر شديد نتيجة تلك الانتخابات، خاصة مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى سُدة الحكم، وهو الذي يحظى بدعم غير محدود من الرئيس الأمريكي حتى بعد جريمة القتل المروعة للصحفي جمال خاشقجي، فقد وصل الأمر بالرئيس الامريكي دونالد ترامب بأن صرح "متباهياً" بأنّه نجح في "إنقاذ" وليّ العهد السعودي الذي حمّله الكونغرس يومها مسؤولية اغتيال خاشقجي، بحسب ما كشفت مقتطفات من كتاب للصحفي الشهير بوب وودورد في كتابه الجديد بعنوان "غضب". يروي وودورد كيف أن ترامب أوضح في المقابلة المسجّلة أنّه منع الكونغرس من ملاحقة الأمير محمّد بن سلمان، إذ قال: "لقد نجحت في جعل الكونغرس يتركه وشأنه، لقد نجحت في إيقافهم".
"مساومة" محمد بن سلمان؟
لكن على جانب آخر، وفي مقالته التي نشرتها وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية يرى الكاتب الصحفي بوبي غوش أن الأمير السعودي قد أصبح "تابعاً" لترامب. فالأخير حسب غوش "استغل" جيداً قضية مقتل خاشقجي ليساوم بن سلمان على كل ما يريد الحصول عليه من السعودية.
وليس أدلّ على ذلك تهديده لولي العهد السعودي بسحب قوات بلاده من المملكة في حال لم يتم وقف إنتاج النفط على خلفية الحرب التي نشبت بين موسكو والرياض حول أسعار النفط، وأنه خلال أقل من عشرة أيام من تهديدات ترامب، اتفقت السعودية مع روسيا على إنهاء حرب الأسعار والبدء بخفض الإنتاج بحسب ما ورد في المقال.
ويضيف الكاتب في مقاله أن بن سلمان أصبح عرضة للهجمات المستمرة من كل الدوائر في واشنطن بسبب عدد من القضايا من بينها الحرب في اليمن، واعتقال الناشطات في مجال حقوق الإنسان، وأن دعم الرئيس الأمريكي له كان حاسماً خاصة وأن "الأمير أصبح شبه منبوذ دولياً وهو ما لم يحدث لفرد من العائلة المالكة السعودية منذ عقود". ويرى محللون ومتابعون للشأن الأمريكي أن ترامب لايهمه صعود بن سلمان أو غيره ولا أوضاع حقوق الإنسان ولا حبس الناشطات النسويات في السعودية وإنما ما يهمه هو ما يجنيه من أموال من الخليج تُضخ في الخزانة الأمريكية لتوضع في قائمة نجاحاته حتى وإن تصادم ذلك مع قيم وشعارات ترفعها الولايات المتحدة.
ماذا تعني إدارة أمريكية جديدة؟
بيد أن هناك من الأطروحات ما لا يتوقع أن تغيّر الإدارة الأمريكية سوف يحدث تغييرا في النسق "الترامبي"، لكنه سيكون أقل حدة وأخف وطأة إعلامياً مع بعض الضغوط الزائدة بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.
وحسب الكاتب الصحفي بوبي غوش في مقاله بوكالة "بلومبيرغ"، "لايوجد أمل لولي العهد السعودي في تحقيق أي انتصارات شخصية في 2020 وأنه في حالة يرثى لها الآن" مضيفاً أن "الأمير عالق في المكان الذي يريده الرئيس الأمريكي بالضبط". موقع ديلي بيست استعرض جانباً من كتاب أصدره حديثاً اثنان من الصحفيين حول بروز نجم بن سلمان، واستغلاله للزيارة التاريخية التي قام بها ترامب في مايو/أيار 2017 إلى الرياض من أجل انفراده بالسلطة. ويتحدث كتاب "الدم والنفط: بحث محمد بن سلمان الدؤوب عن نفوذ عالمي" من تأليف برادلي هوب وجاستن شيك عن تلاعب بن سلمان بترامب الذي كان حديث عهد بالرئاسة، وحصل من خلاله على "مفاتيح المملكة".
الموقع أشار أيضا في عرضه للكتاب إلى أن بن سلمان أحكم قبضته على السلطة عبر شنّ حملات اعتقال طالت مقربين له في العائلة المالكة لإسكات كافة الأصوات المعارضة بين آل سعود، إلى جانب اعتقال عدد كبير من رجال المال والأعمال وتوجيه اتهامات فساد لهم. وتقول مضاوي الرشيد الأستاذة السعودية الزائرة بمعهد الشرق الأوسط، بكلية لندن للاقتصاد إن بن سلمان حصل بالفعل على "ختم الاعتماد" من قبل الإدارة الأمريكية، غير أن وسائل الإعلام الأمريكية والمجتمع المدني والكونغرس لم تتواءم ابدأ مع توجهات ترامب حيال جريمة قتل خاشقجي وأن الأمور تصاعدت مجدداً مع تفجر قضية محاولة اغتيال صوت معارض آخر في المنفي، وهو "سعد الجبري"، المسؤول المخابراتي البارز وأحد رجال محمد بن نايف.
تغير جذري بفوز بايدن؟
وعلى الرغم من كل الدعم الأمريكي المقدم لمحمد بن سلمان إلى الآن، إلا أنه من غير الواضح تماماً ما الذي يمكن أن تفعله إدارة "ديمقراطية" تضيق ذرعاً بمغامرات ولي العهد السعودي وبانتهاكات مزعومة تنسب لمن يحتمل أن يصبح ملكاً للسعودية، الحليف الأقوى للولايات المتحدة في الخليج.
وهناك من المحللين من يرى أن قيام بن سلمان باستغلال صفقات السلاح لتخليص نفسه من دماء خاشقجي أضر للغاية بصورة الولايات المتحدة عالمياً بل وأساء إلى قيم أمريكية راسخة منذ عقود، وأن الأمر قد يتغير جذرياً إن فاز جو بايدن بالرئاسة.
ووفق كتاب "الدم والنفط" فإن الصفقات واتفاقيات السلاح الضخمة والتعظيم من قدر ساكن البيت الأبيض بكل السبل لم تكن نتيجتها الثناء على ترامب في الإعلام الأمريكي، بل "انتشر الحديث عن أمير سعودي مستبد مدفوع بطموحات بألا يتلقى أوامر من أحد حوله بما في ذلك الولايات المتحدة" بحسب ما أورد الكتاب.
ولا يُستبعد أن فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية قد يتسبب في تزايد الضغوط على السعودية متمثلة في تقليل تدفقات الأسلحة والضغط لإطلاق سراح عدد من المعتقلين البارزين خصوصاً النساء. ويتسق ذلك مع ما نشرته صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية من أن عدداً من المشرعين الديمقراطيين قد وجهوا رسالة إلى كورديل هال وكيل وزارة التجارة الأمريكية يشيرون فيها إلى اعتقادهم بأن "إدارة ترامب قد بالغت بشكل كبير في الفوائد الاقتصادية لصادرات الأسلحة خاصة تلك التي ذهبت للسعودية وأن نقل التكنولوجيا العسكرية الأمريكية الدقيقة قد يسهم في تأجيج العنف في الشرق الأوسط".
ع.س