الانتخابات الأمريكية في الحسابات الألمانية – وضوح في الرأي العام وحيرة في الحكومة
٣١ أكتوبر ٢٠٠٨حسم رجل الشارع في ألمانيا السباق مبكرا من خلال استطلاعات الرأي، حيث حصل أوباما على تأييد أكثر من 70 في المائة من الألمان لدخول البيت الأبيض بفضل جاذبيته الشخصية وقدرته الفائقة على الإقناع السياسي وخطبه الحماسية ورغبته في تحقيق السلام على مستوى العالم.
وفضلا عن ذلك، فإن ظهور أوباما صيف العام الجاري في العاصمة برلين وسط أكثر من 200 ألف ألماني كان في صورة مزيج جميل جمع بين صورة الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي الذي يحظى بتقدير خاص في ألمانيا وداعية حقوق الإنسان والمساواة الأمريكي الشهير مارتن لوثر كينج. لكن رغبة الشارع الألماني في فوز أوباما لن تجعله ينساق وراء أي مطالب من جانبه لمشاركة ألمانيا في حروب عسكرية سواء في أفغانستان أم العراق، حيث أكدت نسبة تزيد على 75 في المائة من الألمان رفضهم مشاركة بلادهم في مثل هذه الحروب.
الحكومة تريد كسب الإدارة الجديدة أياً كانت
أما الموقف الرسمي للحكومة الألمانية تجاه الانتخابات الأمريكية، فيؤكد على الرغبة في استمرار التعاون بغض النظر عن شكل الإدارة الجديدة. وفي هذا السياق، يشير الخبراء إلى الفتور الذي اعترى العلاقات بين الجانبين عقب رفض ألمانيا القاطع في المشاركة في حرب العراق والذي نجحت المستشارة أنجيلا ميركل أخيراً في تجاوزه وإعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد فترة طويلة من البرود.
وفي مقدمة الحسابات الألمانية تجاه الانتخابات الأمريكية، محاولة كسب تأييد الإدارة الجديدة في إطار سعي ألمانيا للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي انطلاقا من دورها كمحرك للاقتصاد الأوروبي ودعما لرغبة ألمانيا في تولي مسئوليات دولية تتماشى مع وضعها القيادي في أوروبا. الرغبة التي قوبلت حتى الآن بتحفظ من جانب واشنطن، والتي يبدو أوباما هو الأقرب لتحقيقها.
سياسة القطب الواحد
كما تهتم ألمانيا بتخلي الإدارة الجديدة في واشنطن عن سياسة القطب الأوحد وعدم إملاء الشروط، أملا في إحداث التوازن في العلاقات بين جانبي الأطلسي وهنا يبدو أيضاً موقف أوباما هو الأقرب لألمانيا، على الرغم من إعلانه مبكرا التركيز على مكافحة الإرهاب في أفغانستان، ما يعني أنه سيطلب من شركائه الأوربيين -بمن فيهم ألمانيا- إرسال المزيد من الجنود والسلاح إلى هناك.
وتؤيد ألمانيا وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي ضرورة تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع الدول الصاعدة مثل الهند والصين والبرازيل من خلال شراكة قائمة على التعامل بالمثل. من ناحية أخرى، تسعى ألمانيا إلى مطالبة الإدارة الأمريكية الجديدة بوضع إستراتيجية مشتركة لمعالجة القضايا الملحة مثل ظاهرة التغير المناخي وتأمين إمدادات الطاقة، إضافة إلى التأكيد على الديمقراطية والإصلاحات السياسية والاجتماعية والدفاع عن حقوق الإنسان.
أهمية العلاقات الاقتصادية
غير أن العلاقات الاقتصادية هي الشغل الشاغل بالنسبة لألمانيا في متابعتها للانتخابات الأمريكية، حيث إن برلين ترى أن خليفة الرئيس الحالي جورج بوش يجب أن يوافق على تحرير التجارة وتخفيف القيود على البضائع المستوردة، وهي السياسة التي يتبناها ماكين والذي يبدو الأفضل في هذه النقطة بالنسبة لألمانيا. وتترقب ألمانيا انعقاد قمة أزمة أسواق المال في واشنطن يومي 14 و15 تشرين ثان/نوفمبر المقبل، لتحاول فرض مطالبها بإضفاء مزيد من الشفافية في تعاملات أسواق المال وزيادة الدور الرقابي لصندوق النقد الدولي على القطاعات المصرفية خاصة وأن الحكومة الألمانية اتهمت الإدارة الأمريكية صراحة بالمسئولية عن أزمة أسواق المال.
وتعمل ألمانيا على دعم العلاقات الاقتصادية الثنائية للحفاظ أيضا على مكانتها كأكبر دولة مصدرة في العالم وللاستفادة من وجود نحو 2000 شركة أمريكية على أراضيها تعمل في مجالات التوزيع والتسويق والأبحاث والتطوير ويكفي الإشارة هنا إلى أن مبيعات 70 شركة من الشركات الأمريكية في ألمانيا بلغت أكثر من مئة مليار يورو ويبلغ إجمالي عدد العاملين فيها 230 ألف عامل.
وبينما تبدو حسابات رجل الشارع في ألمانيا تجاه اختيار الرئيس الأمريكي الجديد أسهل بكثير من حسابات الحكومة الألمانية، يرى الخبراء أن ألمانيا تنتهج أسلوب "جس نبض" كل من المعسكرين الجمهوري والديمقراطي بهدف رسم نهج أوروبي موحد بشأن القضايا العالقة في العلاقات بين جانبي الأطلسي وهي أمور لن يسهل حلها سواء كان الرئيس القادم أوباما أم ماكين.