الانتخابات الألمانية:صمت في واشنطن وتحفظ في باريس وارتياح في أنقرة
يبدو أن الغموض الذي رافق فرز أصوات الناخبين الألمان مساء أمس الأحد (18.09.2005)، وإصرار الاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة المستشار شرودر من جهة، والمحافظين بزعامة المسيحية الديمقراطية أنغيلا ميركل من جهة أخرى على الخروج فائزين من انتخابات ما زالت نتيجتها لغاية الآن مجهولة، يبدو أن كل ذلك دفع رؤساء حكومات ودول العالم إلى التريث قليلا قبل إصدار الأحكام وردود الأفعال. ففي حين لم تصدر تصريحات دولية رسمية مساء الأحد، بدأ المراقبون صباح اليوم الاثنين بتسجيل ردود أفعال متباينة بخصوص نتائج الانتخابات الألمانية المبكرة. وبينما أعرب ممثلو الأحزاب الاشتراكية الأوروبية عن احترامهم الشديد لشرودر وحزبه الاشتراكي الديمقراطي، يتوقع آخرون أوقات عصيبة لألمانيا وأوروبا.
باروزو يطالب بتشكيل حكومة مستقرة
إلى ذلك، طالب رئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل باروزو الأحزاب الألمانية بتشكيل حكومة مستقرة بأسرع وقت ممكن. وقال باروزو اليوم في البرلمان الأوروبي " أعتقد أنه من حقي كرئيس للمفوضية الأوروبية مطالبة ممثلي الأحزاب الألمانية باسم المؤسسات الأوروبية بتشكيل حكومة مستقرة بأسرع وقت ممكن." وأشار المسؤول إلى أن الغموض الذي يخيم على مستقبل الحكومة الألمانية يصيب الاتحاد الأوروبي في أوقات تعاني منها مؤسساته من "حيرة كبيرة."
باريس متحفظة
ومن باريس جاءت تصريحات الحكومة الفرنسية صباح اليوم بخصوص نتائج الانتخابات الألمانية متحفظة من جهة ودبلوماسية من جهة أخرى. إلى ذلك، قالت الوزيرة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي كاترين كولونا إن بلادها "تنوي مواصلة العمل المشترك مع الحكومة الألمانية بغض النظر عن النتائج التي ستتمخض عنها محادثات تشكيل الحكومة" في الأيام القليلة المقبلة. وفي إشارة منها إلى أهمية التعاون الألماني الفرنسي، قالت الوزيرة إن "الثنائي باريس ـ برلين سيبقى محرك الوحدة الأوروبية بغض النظر عن الحزب الذي سيتولى الحكم في العاصمتين." وفي حين رفضت كولونا التعليق على نتائج الانتخابات، قائلة إنه "من المبكر" القيام بذلك، وصفت وزيرة الدفاع الفرنسية هذه النتائج بأنها رفض لنهج الليبرالية الجديدة المبني على اقتصاد السوق الحر. وقالت الوزيرة المحافظة إن الناخبين الألمان "رفضوا نموذجا سياسيا ليبراليا."
... وروما متشائمة
أما ردود فعل الحكومة الإيطالية، فقد جاءت أكثر وضوحا من ردود فعل حكومة باريس. وأكد وزير الخارجية جان فرانكو فيني إن نتائج الانتخابات تعتبر "مشكلة" بالنسبة لمستقبل ألمانيا، قائلا إن هذه النتائج "تنقل صورة من عدم الاستقرار عن ألمانيا، الأمر الذي لن يقدم لها يد المساعدة. أما الرئيس الإيطالي السابق الاشتراكي الديمقراطي ماسيمو دا ليما تحدث عن "يوم جميل"، في إشارة منه إلى ارتياحه من فشل المحافظين في الوصول إلى السلطة. أما رئيس الأحزاب الاشتراكية الأوروبية ورئيس الحكومة الدنمركية السابق بول نيروب راموسن فقد تحدث عن احتمال مرور أوروبا بـ "أوقات صعبة"، في إشارة منه إلى أهمية الدور الألماني في الاتحاد الأوروبي.
أوردوغان يرحب
أعربت الصحف التركية صباح اليوم عن ارتياحها من فشل المحافظين في حسم الانتخابات الألمانية لصالحهم. وأشارت الصحيفة التركية "أكسام" في افتتاحيتها اليوم إلى أن الشيء الذي تخوفت منه تركيا لم يحصل وهو تسلم المحافظين سدة الحكم في ألمانيا. أما "حريات" واسعة الإطلاع، فقد وصفت النتائج الانتخابية بأنها "صدمة لميركل". تجدر الإشارة إلى أن زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنغيلا ميركل تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، منادية بدلا من ذلك بما تسميه "الشراكة المميزة" مع أنقرة. وعلى الصعيد الرسمي رحب رئيس الوزراء التركي طيب رجب أوردوغان بنتائج الانتخابات قائلا في تصريحات للصحافيين اليوم في أنقرة إن حكومته ترحب بهذه النتائج نظرا لمساعي بلاده الرامية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
... وواشنطن صامتة
وفي العاصمة الأمريكية، لاحظ المراقبون صمتا أمريكيا حيال نتائج الانتخابات. ورغم عدم صدور تصريحات رسمية من البيت الأبيض لغاية الآن، إلا أن مراقبي السياسة الألمانية أعربوا عن دهشتهم من النتائج السيئة التي حصل عليها الاتحاد المسيحي الديمقراطي وزعيمته أنغيلا ميركل. يشار إلى أن الإدارة الأمريكية علقت الآمال على فوز المحافظين في الانتخابات الألمانية، في خطوة لتحسين العلاقات الألمانية ـ الأمريكية المتضررة من موقف ألمانيا الذي عارض الحرب على العراق. هذا واقتصرت التعليقات الأمريكية على نتائج الانتخابات على مهتمين بالشأن الألماني. وفي هذا الخصوص قال شتيفان زابو بروفسور العلاقات الدولية في جامعة توم هوبكينس في واشنطن إنه توقع أن يفوز الاتحاد المسيحي الديمقراطي في الانتخابات، معتبرة النتائج بأنها "هزيمة كبيرة للمحافظين، ولكن أيضا هزيمة لاستقرار السياسة الألمانية." أما البروفسور نورمان بينباوم من جامعة جورج تاون فقد قال إن الألمان "أثبتوا أنهم لا يريدون التخلي عن نظام الحكم المبني على سياسة التكافل الاجتماعي وأنهم يريدون سياسة ألمانية خارجية مستقلة."
ناصر جبارة ـ دويتشه فيله