الانتخابات الألمانية: غموض يكتنف المعادلات الحزبية وتشكيل الحكومة
يبدو أن الساحة السياسية الألمانية مقبلة على خريف ملبد بالغيوم: المسيحيون الديمقراطيون يحققون نتائج باهته والاشتراكيون الديمقراطيون يفسرون ذلك بان الشعب الألماني ما زال يريد شرودر مستشارا. لكن المفاجئات مازالت واردة، لا سيما وأن الفارق في عدد المقاعد بين الحزبين الكبيرين كان متقلبا طيلة مساء اليوم. صوت الناخب الألماني جاء واضحا: لا تمديد لتحالف الخضر والحمر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) ولا تكليف للحزب المسيحي الديمقراطي وزعيمته ميركل التي حقق حزبها ثالث أسوأ نتيجة انتخابية منذ عام 1949.
النتائج الأولية الرسمية
بعد تعداد الأصوات في جميع الدوائر الانتخابية (ما عدا إحدى الدوائر في ولاية ساكسن بسبب وفاة أحد المرشحين) ذكرت القناة الأولى للتلفزيون الألماني بأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم استطاع تقليص الفارق فيما يتعلق بعدد المقاعد الى مقعدين فقط وذلك بفضل فوزه بعدد مما يعرف "بالمقاعد العالقة". وبالأرقام فان الصورة تبدو كالتالي:
الحزب الاشتراكي الديمقراطي: 34.3% (222 مقعدا)، اتحاد الحزبين المسيحيين 35.2% (225 مقعدا)، الحزب الليبرالي الحر حقق مفاجئة من النوع الثقيل وحصل على 9.8% (61 مقعدا). حزب اليسار الجديد نجح في الدخول الى البرلمان محققا 8.7% (54 مقعدا) من مجموع الأصوات. أما حزب وزير الخارجية يوشكا فيشر (حزب الخضر) فقد حل أخيرا ولم يحصل الا على 8.1% (50 مقعدا) من أصوات الناخبين. والأغلبية المطلقة هي الحصول على 307 صوتا في البرلمان الألماني. هذه النتائج تعني نهاية الائتلاف الحكومي بين الحزبين الاشتراكي الديمقراطي وشريكه حزب الخضر؛ هذا يعني أيضا تبخر حلم الاتحاد المسيحي الديمقراطي وشريكه التقليدي الحزب الليبرالي الحر في الحصول على الاغلبية المطلوبة، الأمر الذي يؤدي الى تعقيد مسألة تشكيل الحكومة القادمة ويجعل مسألة الحديث عن خاسرين وفائزين غاية في الصعوبة.
سيناريوهات معقدة وأفق محدودة
لم يترك أقطاب السياسة الألمانية مجالا للشك أي التحالفات الحزبية يفضلون وأيها يستبعدون. الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الخضر خاضوا الانتخابات على أمل الحصول على أغلبية تؤهلهم لمواصلة ائتلافهم الذي يحكم البلاد منذ عام 1998. الا أن استطلاعات الرأي أشارت بالإجماع الى عدم تحقيق هذه الأمنية وهذا ما حدث على أرض الواقع. المعسكر البديل تمثل في ائتلاف يجمع الحزبين المسيحيين الديمقراطي والاجتماعي من جهة والحزب الليبرالي الديمقراطي من جهة أخرى. وقد منحت استطلاعات الرأي هذا المعسكر دوما أغلبية مريحة حتى الأسبوع الأخير من موعد الانتخابات، حيث انقلبت الصورة وفقدت المعارضة أغلبيتها. الناخب الألماني عبر بشكل عام عن عدم رضاه عن عمل الأحزاب الكبيرة وهذا ما يفسر تراجع نتيجة الحزبين الكبيرين عن تلك المتحققة عام 2002 حيث حصل كل منهما على 38.5%. السيناريوهات القائمة لتشكيل الحكومة تبدو غاية في التعقيد: تحالف بين الحزبين الكبيرين سيحصل على الأغلبية المطلوبة إلا أن هذا يعني أن منصب المستشار سيكون من نصيب الحزب المسيحي الديمقراطي لحصوله على عدد أكبر من المقاعد (وفقا للمعطيات الراهنة) وهذا ما يرفضه بالطبع الحزب الاشتراكي الديمقراطي لان ذلك يعني اختفاء شرودر عن المسرح السياسي.
احدى الاحتمالات الممكنة حسابيا وفقاً للمعطيات الحالية تكمن في تحالف يضم الاشتراكي الديمقراطي والخضر والليبرالي الديمقراطي. ولكن الليبراليين يرفضون هذه الفرضية في الوقت الحالي مفضلين صفوف المعارضة على مثل هذا التحالف. ويذكر في هذا السياق أن جميع الأحزاب ترفض التحالف مع حزب اليسار الجديد. إذا: ما هو البديل الممكن؟ هذا هو السؤال الذي لم يقدم أحد من السياسيين إجابة عليه اليوم.
خصوصية النظام الانتخابي الألماني
يملك كل ناخب ألماني وصل إلى سن الثامنة عشرة صوتين: بواسطة الصوت الأول يختار الناخب مرشحه المباشر في دائرته الانتخابية، وعلى هذا النحو (الاقتراع الشخصي المباشر) يتم انتخاب نصف أعضاء البرلمان، وهنا يكفي حصول كل مرشح على أغلبية نسبية (بسيطة) من أجل الفوز بمقعد في البرلمان القادم. أما الصوت الثاني فهو الأكثر أهمية لأن بواسطته لا يتم انتخاب النصف الثاني لأعضاء البرلمان فحسب، بل إنه يحدد توزيع المقاعد البرلمانية على الأحزاب وبالتالي تمثيلها في البرلمان. ويمكن وصف آلية الانتخابات على النحو التالي: في كل ولاية ألمانية يضع كل حزب سياسي لائحة لمرشحيه الى البرلمان الجديد وفقاً لعدد المرشحين المحدد له1ه الدائرة. وهنا "تذوب" الأصوات الأولى مع الثانية. وفي حالات استثنائية يمكن أن يفوز أحد الأحزاب في إحدى الولايات الألمانية عن طريق الصوت الأول بعدد من المقاعد البرلمانية أكبر من نسبة الأصوات الثانية التي فاز بها. ويرى قانون الانتخابات الألماني في هذا الإطار أن تحتفظ الأحزاب السياسية بهذه المقاعد البرلمانية التي يطلق عليها المقاعد "العالقة"، مما يرفع من عدد المقاعد البرلمانية للأحزاب التي تفوز بها. ويذكر أن هذه المقاعد البرلمانية العالقة ساعدت المسشار شرودر وحليفه حزب الخضر على الحصول على أغلبية برلمانية أهلته للفوز بإنتخابات 2002 كما ساعدته هذه المرة أيضا في تقليص الفارق في عدد المقاعد. تجدر الإشارة إلا أن نسبة 5% هي الحد الأدنى الواجب على أي حزب تحقيقها لدخول البرلمان .
شرودر يؤكد مواصلته العمل السياسي
استبعد المستشار الالماني غيرهارد شرودر مساء اليوم الاحد التفاوض مع رئيسة حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي انجيلا ميركيل من اجل تشكيل "ائتلاف كبير" بين حزبه الاشتراكي الديموقراطي وائتلاف حزبها مع حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي. وقال شرودر في حديث تلفزيوني "لن تحصل السيدة ميركل على ائتلاف مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي اذا ارادت ان تكون مستشارة". واضاف "لقد صوت الالمان بوضوح على مسالة المرشح" للمستشارية، معتبرا ان النتيجة التي حصلت عليها ميركل تعتبر خسارة. وقال شرودر "اعتبر ان لدي التاكيد بانني ساعمل في السنوات الاربع المقبلة لتكون هناك حكومة مستقرة برئاستي". واعلن شرودر انه يعتزم لتشكيل حكومة اجراء مباحثات مع كافة الاحزاب السياسية الالمانية اعتبارا من الاثنين باستثناء حزب اليسار الجديد. وقال شرودر "انا فخور بابناء بلدي. انا فخور بهذه الثقافة الديموقراطية التي اثبتت ان قوة وسائل الاعلام ومحاولتها التلاعب بهم لم تتمكن من زعزعة الحس الديموقراطي".