وفد اقتصادي ألماني يبحث فرص التعاون في مجال التعليم في قطر
٢٦ مايو ٢٠١٠قطر بلد عربي صغير، إلا أن دوره في المنطقة في تنامي مستمر ليس بفضل ما تدرّه عليه حقول الغاز والنفط فقط، بل وأيضا بفضل السياسة المنفتحة على مختلف الأطراف، والقدرة على جمع التناقضات، ولعب دور الوساطات في أزمات الشرق الأوسط بصورة تجاوزت حجمه الفعلي. ويبلغ عدد سكانه 220 ألف نسمة تقريبا فيما يصل عدد الوافدين إليه من عرب وأجانب للعمل فيه إلى 1،4 مليون نسمة.
ومنذ ستّ سنوات تقريبا قرّرت الحكومة القطرية البدء بنهضة عمرانية كبيرة تشبه إلى حدّ ما حقّقته إمارة دبي، وبموازاة هذه النهضة بدأت الحكومة تفكِّر في إحداث إصلاح في النظام التعليمي المتقادم في البلاد والعمل على تحديثه من خلال إنشاء مجلس التعليم الأعلى وتخصيص المال اللازم لذلك، فهل تتيح هذه السياسة فرص شراكة جديدة مع ألمانيا رغم المنافسة الأنغلوـ ساكسونية؟
مضاعفة موازنة التعليم مرة ونصف
في عام 2008 ضاعفت الحكومة القطرية موازنة وزارة التعليم مرة ونصف تقريبا ورفعتها من 2،2 إلى 5،4 مليار يورو، ما يعادل نسبة 20 في المائة من مجمل الموازنة العامة للدولة. وتعتبر "مدينة التعليم" التي تبنى حاليا على مساحة 14 ألف متر مربع بالقرب من العاصمة الدوحة أحد المشاريع المركزية. ويركز القطريون في القطاع التعليمي بوضوح على التعاون مع الدول والجامعات والمعاهد الانغلو ـ ساكسونية في بريطانيا والولايات المتحدة. ومن هنا صعوبة دخول ألمانيا إلى القطاع، "وإن كان الباب غير موصد والإمكانات موجودة" حسب قول أحد الدبلوماسيين الألمان ولفت إلى أن إنشاء مدرسة ألمانية في الدوحة العام الماضي للجالية الألمانية كمرحلة أولى تم أيضا بتشجيع من السلطات العليا في قطر.
ويبلغ عدد الطلاب الجامعيين 2500 نصفهم من خارج قطر، وهو عدد صغير جدا مقارنة بما يجري بناؤه حاليا في مدينة التعليم. وإلى جانب ذلك تعمل الحكومة حاليا على بناء مستشفى تعليمي في المدينة بكلفة مليار دولار لتدريس وتأهيل العاملين في المجال الطبي والصحي، وافتتحت عام 2009 "مجمّع قطر للعلوم والتكنولوجيا" الذي سيحتوي على بنى تحتية خاصة بالبحوث العلمية لتشجيع كبريات الشركات والمؤسسات العلمية في العالم على فتح فروع لها فيه واستخدام أجهزته. وبلغت كلفة المجمع 600 مليون دولار.
وتتطلّب هذه المؤسسات التربوية والعلمية وغيرها كفاءات بشرية محلية تسمح للمؤسسات الألمانية العاملة في هذا الحقل من عرض خدماتها على القطريين كما فعل الوفد الاقتصادي الألماني الذي زار الدوحة الأسبوع الماضي وضم نحو 30 شركة ومؤسسة تعمل في هذا المجال. وعقد الوفد الذي أشرفت غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) على تنظيم جولته في السعودية وقطر والبحرين اجتماعا لهذا الغرض مع ممثلين قطريين عن قطاع التعليم والتدريب المهني في مقر غرفة التجارة والصناعة القطرية في الدوحة ترأسه رئيس الغرفة الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني. وبعد التعارف بحث الجانبان الإمكانات المتوافرة في هذا المجال وسبل التعاون.
" ثقة في الجودة الألمانية، لكن المنافسة شديدة"
وفي حديث مع "دويتشه فيلّه" أثنى رئيس الغرفة على جودة الصناعة الألمانية وثقة القطريين فيها، لكنه حذّر في الوقت ذاته من المنافسة الشديدة التي تواجهها حاليا من جانب دول شرق آسيا. وبعد أن أشار إلى الاستثمارات التي تقوم بها قطر في ألمانيا، وألمانيا في قطر، قال إن شركة "سيمنس" من أهم الشركات التي تستثمر في مجالي الصحة والطاقة، وكذلك شركة "تيسّين" لتطوير قطاع سكك الحديد في البلاد، وهو مشروع سيكلّف 40 مليار دولار تقريبا. وتحدث رئيس الغرفة عن وجود إمكانات كبيرة للشركات الألمانية للعمل في مجالي التعليم والصحة. ورأى أن الألمان "ناس متحفظين وبطيئين في اتخاذ المبادرة أو القرار بالاستثمار خارج بلدهم" لافتا إلى أن هذا الأمر ينطبق على الشركات الصغيرة والمتوسطة لا على الكبيرة منها. وقال إن "خروج هؤلاء من السوق الألمانية أمر جديد عليهم ويأخذ وقتا منهم، ونصيحتي لهم وللقطريين ببحث فرص الاستثمار لدى الجانبين". وتابع أن رجال الأعمال القطريين "على استعداد للتعاون، وعندنا خطة جديدة للاستثمار، وصندوقا جديدا لتمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة". وشدد الشيخ حمد على أن قوانين الاستثمار في قطر سهلة وواضحة، خاصة في مجال الاستثمار الصناعي".
"مؤسسة قطر" مصنع التفكير بالمستقبل
وزار الوفد الألماني بعد ذلك "مؤسسة قطر" التي تضم ست جامعات ومعهدا للبحوث ومستشفى واحدة تتسم كلها بهندسة جميلة ومستقبلية، كما قام بالاطلاع على عدد منها حيث تفقد قاعاتها وأجهزتها. ويكمن جوهر المؤسسة الغير نفعية التي أسسها الأمير بقرار منه عام 1995 في أنها "مصنع للتفكير في المستقبل: مستقبل التعليم ومستقبل تطوير المجتمع" على حدّ ما ذكره أحد المسؤولين عنها. ويرى مراقبون أن طاقة المؤسسات التعليمية والتدريبية التي تبنى بسخاء شديد في قطر أكبر بكثير من الحاجة الداخلية لها، ما يجعلها تعتمد على توافد التلامذة والطلاب والمهنيين إليها من الخارج، وهو أمر غير مضمون بعد. كما أن طفرة بناء المساكن والفنادق وناطحات السحاب رغم النقص الواضح في الطلب عليها أصبحت جليَّة بدورها، وهذا أمر مكلف، ومحذور لا يمكن التقليل من مخاطره على حد ما لفت إليه البعض.
الكاتب: اسكندر الديك
مراجعة: حسن زنيند